UAE
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

هل يكمن العداء في ثنايا الحب؟

هناك معادلة من جانب أحادي مفادها أن العداء قد يكمن في ثنايا الحب، يخفيه الخوف والظلم والاستبداد، ويظهر في حال ملك الإنسان حريته، يسنده قانون ونظام ديمقراطي حقيقي، لكن لا حب يكمن في العداوة، إلا إذا قدر الإنسان أن يتخلص منها تماماً، وهذا أمر من أصعب الأمور على النفس البشرية، بغض النظر عن المثل الشعبي الذي نردده: «ما من حب إلا بعد عداوة»، فالأمور الحقيقية لا تقاس بسير مثل شعبي على الألسن. في عام 2011 مات الصنم المعبود في كوريا الشمالية المغلقة بالحديد ونيران الحرب، ولم يصدق السكان أن زعيماً إلهياً مثله يموت هكذا، مثلما لم يصدقوا وفاة أبيه الصنم الأكبر من قبله، فقد تكتمت كوريا كعادتها على الوفاة لمدة يومين، ولم يعلن عنها رسمياً إلا في يوم أحد مشحون ومؤدلج بالحزن في كوريا، بعد تشريح جثة الرئيس الطاهرة، مضفية الوكالة الرسمية على وفاة الرفيق «كيم جونغ-ايل» مظهر التفاني والإخلاص والعمل الوطني حتى الرمق الأخير من حياة زعيمهم، الذي يعتقدون أنه أفنى عمره البالغ 69 عاماً في خدمة كوريا الشمالية وحمايتها والمحافظة عليها، مرجعة سبب الوفاة إلى «إرهاق فكري، وجسدي كبير أدى إلى احتشاء حاد لعضلة القلب، وبالتالي إلى أزمة قلبية ألمّت به داخل قطاره خلال إحدى تنقلاته الميدانية» وتولى القيادة من بعده الابن الثالث الرفيق «كيم جونغ-اون» المولود عام 1983 خلفاً له كرئيس للسلالة الحاكمة الشيوعية الوحيدة في التاريخ، والذي يراهن عليه العالم بجنوحه للسلم والتفاهم الدولي والتغيير، فكوريا الشمالية جمهورية وراثية، ما زالت تعتقد بالشيوعية، وما زالت الدول الأخرى عدوة لها، وأمريكا «الشيطان الأكبر» وكوريا الجنوبية جزء لا يتجزأ من أراضيها، ولم يفرقهما إلا الاستعمار والإمبريالية، تؤمن بنظرية المؤامرة الدولية، وتخشى التجسس والجاسوسية، لذا تعيش في عزلة تامة، متوحدة مع نفسها، معسكرة حالها للدرجة القصوى، كل شيء فيها له ميزة التفرد، وصيغة المفرد: شعب واحد، رئيس أوحد، تلفزيون واحد، جريدة واحدة، حزب واحد، زي واحد. تبني كوريا الجنوبية جسوراً وطرقاً للمواصلات والتواصل، فتقوم كوريا الشمالية بهدم الجسور، ووضع الأسلاك الشائكة، وقطع الاتصالات مع الأهل، لذا حينما نطقت المذيعة الكورية وهي تتشح بالسواد، مجلجلة بصوتها الذي يكسوه الشجن، وذرفت دمعاً غزيراً معلنة وفاة الأب الكبير، اهتز البيت الأزرق في سيؤول، وقلق البيت الأبيض في واشنطن، لكن العالم لم يبكه، لأنه لم يعترف بالعالم! 
في المقابل توفي رئيس تشيكو سلوفاكيا سابقاً «1989 - 1993» ورئيس التشيك فيما بعد الانقسام «1993 – 2003» «فاتسلاف هافل» في يوم أحد آخر حزين عن عمر يناهز الـ 75 عاماً، وهو من أهم رموز ثورة أوروبا الشرقية ضد النظام الشيوعي، والتي أطلق عليها الثورة المخملية في نوفمبر عام 1989، ومن المناضلين للتخلص من سيطرة الحقبة السوفيتية، ورموزها الديكتاتورية، ومن المخططين للتحول الديمقراطي، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو قبل ذلك مسرحي وفنان، فبكاه شعبه، وشارك العالم في الحزن عليه، زعيمان سيغادران كل منهما في تابوته، واحد في «بيونغ يانغ» والآخر في براغ من قلعتها التي هي مقر الرئاسة، الأول أصيب بسكتة دماغية، وشلت حركته عام 2008، والآخر ظل يقاوم سرطان الرئة منذ عام 1996، لكن الفرق محبة الناس، في العاصمة الكورية الشمالية حب بالإكراه، وفي العاصمة التشيكية حب بالمعروف! 
كانت جنازتان، وتابوتان لزعيمين تاريخيين، لكن وجهتيهما مختلفتان، والتاريخ هو المنصف والمصنّف لسيرتيهما في حق الشعوب، وبحق الأوطان.