UAE
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

مسيرة الحضارة الإنسانية وأسباب التعثر

في كلمته في افتتاح منتدى فاس حول تحالف الحضارات، انتقد مطولاً نائبُ الأمين العام للأمم المتحدة، الممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات، السيد ميغيل أنخيل موراتينوس، نظرية صامويل هانتنغتون حول صراع الحضارات، وأنا أوافقه الرأي لأن نظريات مثل «صدام الحضارات» و«حرب الثقافات» تعكس خطابات خاطئة ومغرضة تنبني على سجن الأفراد والجماعات في انتماءاتهم وهوياتهم الثقافية والحضارية، فلا يعقل أن تنمو وتتطور حضارة من الحضارات في معزل عن مكونات الحضارات والثقافات الأخرى، فالحضارة الغربية استفادت من الحضارة العربية الإسلامية، كما أن الحضارة الإسلامية حققت انطلاقاتَها في الإنتاج والإبداع بتلاقحها وتمازجها مع الحضارات الأخرى، معاصرةً لها كانت أم سابقة عليها، مثل الفارسية والبيزنطية.. وغيرهما.
وإن من أسباب خلق الخلق اختلافهم، ولا يمكن الاستشهاد بهذه الرؤية المرجعية الكبرى وعدم الاتفاق حول الجوامع المشتركة، فهما عاملان لمعادلة توازنية واحدة، إذ كيف يمكن الإيمان بحقيقة الاختلاف الإنساني دون التفاهم حول الجوامع المشتركة، فالاختلاف قدر محتوم، والهدف من ذلك هو التعارف والتآلف، كما أن المشكل في الأخير ليس في الحوار الإسلامي المسيحي أو الإسلامي اليهودي أو الإسلامي المسيحي اليهودي حصراً، ولكن الحوار هو أعم من ذلك وأشمل، إذ يقتضي الكليات والجزئيات في الدين والسياسة والاقتصاد والثقافة والميادين الاجتماعية.
وإن من بين المشاكل في المسيرة الحضارية للإنسانية ما يتعلق بسوء توزيع الثروة والقوة والنفوذ، فهناك 20% من ساكنة العالم هي التي تنعم بظروف عيش الدول المتقدمة، والهوة تزداد اتساعاً بين الأغنياء والفقراء. وهناك ملياران من البشر يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، أي عند عتبة الفقر المطلق، وهناك مليار ونصف مليار نسمة من ساكنة العالم لا تتوفر على الماء الصالح للشرب. وسوء توزيع الغنى في العالَم الذي تزداد فجوته مع هيمنة العولمة، هو أحد الأسباب التي تزيد من درجة السخط والغضب، مما يفضي إلى تؤجج العنف في بعض الأحيان. 
وليست الثقافات هنا هي المسؤولة عن المجاعة في أفريقيا، ولا عن هذه الفوضى الاجتماعية السائدة في مناطق كثيرة من العالم. والعولمة هنا بدل أن تقوم بإنماء الدول الفقيرة، كما توقع البعض، فهي في شكلها الحالي من شأنها أن تكون في مصلحة القوى الاقتصادية الصناعية الكبرى والأكثر قدرة وقوة. ورغم أنها تشكل قيمة مضافة بالنسبة للمنافسة وتقدم الإنسانية، فهي لا تخدم إلا جزءاً من ساكنة العالم، القادرة على استغلال السوق والموارد المتوفرة.
وليست الحضارة والثقافة العربية هي المسؤولة عن التخلف والتراجع الحضاري واستمرار الضعف. وتفسير هذه الظاهرة بالعامل الديني أو بالعامل الثقافي أو بالعامل الحضاري.. هو هروب من مواجهة الواقع، وطريقة لإعفاء الذات من مغبة مواجهة المشاكل الحقيقية. وهو انحراف فكري خطير آخر شبيه بنظرية هانتنغتون التي تساهم في توجيه الرأي العام الغربي نحو مسارات خاطئة تبعده عن الرؤية الصائبة في تفسير الأزمات وعواملها الحقيقية وتغذيه في نفس الوقت بمشاعر الكراهية والعداء للآخر.

*أكاديمي مغربي