Jordan
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

حلول عملية لمشكلة التحرش الجنسي في الجامعات


الكاتب : د. إبراهيم بدر شهاب الخالدي

    حادثة التحرش الجنسي الأخيرة التي أثارت الرأي العام الأردني ليست هي الأولى من نوعها ، ولن تكون الأخيرة ، ما دام نمط التعليم الجامعي في الأردن يهيئ الظروف المناسبة لمثل هذه السلوكات المنحرفة وسواها من صور الفساد الأخلاقي والتعليمي ، وسيبقى الوضع يتفجر كل حين بقضايا من هذا النوع ما لم يحدث تغيير نوعي جذري في بنية التعليم الجامعي في بلدنا ، والتغيير الذي نقصده لا يعالج فقط قضايا التحرش ؛ بل يمتد أثره الإيجابي إلى نواح أخرى عديدة كان قد أصابها الخلل والفساد ، وبقيت هكذا مسكوتاً عنها دونما التفات إلى خطرها أو الشروع في محاولات جادة للإصلاح والترميم .

   يعود الجزء الأكبر من الخلل الذي تتمخض عنه هذه المشكلات وسواها ؛ إلى انعدام الرقابة على أداء المدرسين مع منحهم أو تمتعهم بالحرية المطلقة في التدريس واختيار المنهاج والتقويم والتحكم بمصائر الطلاب بلا رقيب ولا حسيب ، ولما تهيأ لهم هذا الظرف ؛ مال بعضهم – وبعضهم كثير- إلى الرخاوة والدعة ، فتكرر غيابهم بعذر أو دون عذر عن المحاضرات ، وأهملوا واجباتهم في تصحيح أوراق الامتحانات ومناقشة أبحاث الطلاب ، وصار الأمر إلى حال من الفوضى والفساد ، انسحبت آثاره على معظم الخريجين تقريباً ، وبذلك عمت قيم اللامبالاة والاستهتار وانعدام المسؤولية أو تراخيها وشاعت ، وانحسرت قيم الولاء والانتماء والجدية والإخلاص إلى حدود ضيقة لا تتجاوز المصالح الشخصية والفئوية والحزبية . 

   ومما يجدر ذكره في هذا الصدد ، بعض الممارسات والسلوكات غير المقبولة في المجتمع الأكاديمي - وهي بطبيعة الحال ليست نزوات عابرة أو سلوكات نادرة ، إنها مشكلات مؤرقة وأخطاء جسيمة ، ويجيء معظمها نتيجة منطقية لما سبقت الإشارة إليه .

   هذه الحقائق وغيرها الكثير من الأمراض السلوكية والإدارية التي تعكس الواقع المر لجامعاتنا بلا استثناء ، باتت من الخطورة بمكان بحيث لا يجوز السكوت عنها أو تأجيل النظر فيها ، وهي تنذر بشر مستطير لا يمنعه إلا وقفة مراجعة جادة مخلصة لنظامنا التعليمي والتربوي برمته ، ويترتب عليه- دون مجاملة لأحد- فصل عضو هيئة التدريس إذا ثبت تورطه بإحدى السلوكات التي سبقت الإشارة إليها ، وإنذار الجامعة الخاصة أو سحب الاعتماد الخاص الممنوح لها . 

   وفي هذا الإطار ففي المقترحات التالية حلول عملية لتلك المشكلات وما يتمخض عنها ويتولد ، بما يمهد الطريق لتصويب مسيرة التعليم الجامعي في بلدنا برمته ويعمل على تحسين صورته . 

   أولاها - أن يستبدل أسلوب التقويم الحالي لمستوى الطلبة في كل مادة ، ورفع يد المدرسين عنها كلياً ، بحيث تشكل لجان خاصة في كل كلية لهذا الغرض ، يناط بها مهام  إجراء الاختبارات وتصحيح أوراق الامتحانات واستخلاص النتائج ، على أن تحاط أعمالها بالسرية التامة ، بحيث لا تظهر أسماء الطلبة على دفاتر الإجابة ، كما هو الحال في امتحانات الثانوية العامة تماماُ ، وبهذا الأسلوب الموضوعي يتحرر الدكتور أو المدرس من مهام التصحيح وضغوط الطلبة والزملاء لرفع العلامات أو تعديلها من جهة ، وتلافي ظاهرة ابتزاز الطلبة بالعلامات أو استغلال حاجتهم في هذا الأمر ، ومن جهة أخرى ، فإنه في ظل هذا الأسلوب لا يستطيع المدرس حذف ما يشاء من المادة التي يدرسها للطلاب ، أو أن يعفيهم من بعض الموضوعات المشتملة عليها ، سيما وأنه ليس له حرية تحديد حجم المادة المقررة ، فأمر ذلك متروك للقسم أو للجنة إعداد الامتحانات ، وبالتالي فإنه لا يستطيع الانزلاق نحو الموضوعات الجانبية أثناء المحاضرات ، فليس هناك متسع من الوقت لذلك ، ثم أن الطلبة أنفسهم سيضطرونه إلى الالتزام بشرح المادة بأكملها ضمن الوقت المحدد ؛ لأنها مطلوبة برمتها في الامتحان النهائي .

   وفي هذا الأسلوب أكثر فائدة ، منها : العدالة في التقويم ، وإعطاء أهمية وهيبة خاصة للامتحان ، يَجِدُّ لها الطلاب ويجتهدون ، وسيعكفون بجدية على حضور المحاضرات والحرص على عدم تفويتها ، والمشاركة الفاعلة فيها ، وسيلجؤون إلى المكتبة للمطالعة والتحضير وكتابة الأبحاث والتقارير ، وهو ما من شأنه تعزيز ميول الطلبة نحو الكتاب والمطالعة ، وتمكينهم من مفاتيح العلم ، وبذلك تنتهي مظاهر الاستعراض والتسكع في جنبات الجامعة ، أو تكرار الزيارات غير المبررة للمدرسين في مكاتبهم ، الأمر الذي سينعكس بجملته إيجاباً في سلوك الطلبة ومستواهم الفكري والعلمي . وأهم ما في الأمر القضاء على مشكلة التحرش والابتزاز التي يتعرض لها الطلبة بين الحين والآخر .

   وثانيها - أن يتم تقويم أداء أعضاء هيئة التدريس بأسلوب تعدد جهات التقدير ، على أن يعطى للطلبة 70%من العلامة الإجمالية ، وهو ما يجعل المدرسين في حالة من الجدية والانضباط والحرص على تقديم المفيد لطلابهم ، لأنهم في هذه الحالة أمام مقيمين لعطائهم وسلوكهم لا مجرد طلاب دارسين ، ويترك لرئيس القسم 30% منها . وفي يقيني إن هذا الأسلوب أقرب للدقة والعدالة ، وأبعد عن التحيز والمحاباة ، وأدعى إلى الاستقامة ، ولا سيما إذا ارتبطت نتائج التقويم بحوافز وروادع مناسبة . فإذا استقر في وجدان المدرسين جدية هذا الأمر وموضوعيته ؛ فإنهم ولا شك سيغيرون كثيراً مما هم عليه من سلوك سلبي ناتح عن الشعور بمطلق الأمان في دار أبي سفيان .