علقم وشَهد
محمود أبو هلال
علقم خيري.. الله الله.. وكأنه كان علقما في حلوقهم وشهدا علينا.
منذ سماعه خبر استشهد المقاومين في جنين ظهر اليوم ضاقت به الدنيا بما رحبت، فلم يستطع أن يضبط عنفوانه ولا إيقاع العاطفة الدافقة عبر أوردته، فخرج وقرر أن لا ينام قبل أن يفرغ ما تجمع في صدره .
القى نظرة على الشمس فمالت خجلة عن كتفه وغابت. افترش العتبات وألقى على نفسه شرشف من حنين غطى به السماء الهطالة مشاعراً وروحه الملبَّدة باليقين.. وأيقن أنه لن ينم.
أمضى ساعات رافقه فيها ظل القمر ورائحة عشب ندي، وحسيس ذكريات آمال ربطها بحبل سري مكين، وساقية تنقل وتعيد الحنين بينه وبين جنين وشهداءها ومسدس.. ولم ينم.
تقلب بين مكانيين متداخلين أو متلاصقين كالوجنتَينِ العميقتَين والعينين الواسعتين، والجبينِ الواحد الشَّامخ. قريباً من دفء اللحد وبعيداً عن الهوة بين المواقف الفلسفية والسياسية، وأكثر اتساقا والتصاقا بالواقع.. فلم ينم.
نهض بهدوء الواثق وثورة الغاضب ولوعة العاشق، ثم قبض حفنة تراب حَوت عبق الشهداء، عفر بها وجهه الوضاء كمشكاة، وانطلق من بين أرصفة القدس المرصوفة كحبات الزيتون المرصوص. قفز من هناك إلى بساتين أعلى و أحلى، ليهيئ له مقام أبدي في رحلة إعادة وطن يليق بحلمه.
لم يكن تقلبه بعيداً عن قدسية الأمكنة ولا بعيداً عن المعنى المسكون داخله، فراح يسعى ويبحث عن صوت يبل الصدى ويروي ألروح الملتاعة حتى إذا وصل، أطلق رصاصاته التي حركت المشاعر وكتبت الفرحة على أفئدة المعزين فتراصفوا في “دبكة” وأهازيج للفرحة ولفلسطين.
علقم في حلوقهم .. علقم قوي آسر مثل شجرة زيتونة مغروسة بهموم وآمال بعض من مكثوا، ولا تبوح بها لكل من مروا.
علقم.. لا يختلف دمه عن دماء من سبقوه، يعيد رسم صراطَ مستقيم تاهَت عنه نُخَب وضلّت عنه جماعات قبل أن يفتك وهم السلطة وطاعون التسوية بها.
أيقظتنا يا خيري بصوت رصاصات معدودات، وسنصمت كي لا نوقظك من مهنأك.. نم يا حبيبي عليك السلام.

أقرأ التالي

الحزبيون الجدد ٢

عندما تتقهقر الجامعات..

استكشاف بارع للحقيقة والعدل / حسان التميمي

وهم التصنيفات العالمية

مقالات ذات صلة