Jordan
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

ثقافة الإستهلاك – المشكلات

#ثقافة_الإستهلاك – #المشكلات

#أنس_معابرة

في محطة إطفاء ليفيرموري في مدينة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية توجد لمبة كهربائية قديمة الطراز، تعد هذه اللمبة من أقدم اللمبات الموجودة على وجه الأرض، إذ أنها تعمل بشكل متواصل منذ عام 1901 من دون أي توقف، إلا في سويعات بسيطة، وقد تم تسجيلها رسمياً في موسوعة جينيس للأرقام القياسية على أنها أقدم لمبة على وجه الأرض تعمل إلى الآن، تبلغ قوتها 4 وات، وتم صنعها في مدينة أوهايو الأمريكية، وقد صنعت بواسطة مصانع شيلبي للإلكترونيات، والتي تحمل الآن مسمى: “مصانع شيلبي للسيارات الفائقة الجودة”.

تم استخدام هذه اللمبة لأول مرة في منزل بسيط، قبل أن يتم نقلها إلى مركز الإطفاء بالمدينة، وعندما تم إغلاق مركز الإطفاء تم نقل اللمبة إلى قاعة المدينة العامة، وعندما أُعيد افتتاح مركز الإطفاء الجديد تم اعادتها إليه مرة أخرى، وهي تعمل منذ ذلك اليوم هناك، وهنالك موقع إلكتروني خاص بها، ويعرض بثاً حياً لأشهر لمبة في التاريخ حتى الآن.
في إحدى المرات؛ تعرضت اللمبة لتماس كهربائي قوي، وقد احترقت جميع اللمبات الأخرى الموجودة في ذلك المكان ماعدا تلك اللمبة التي لم يصبها أي ضرر، وهي تعمل إلى اليوم.

سقتُ لك هذه القصة الحقيقية كمقدمة لسؤالي البسيط وهو: إذا كانت لدينا التكنولوجيا لتصنيع لمبة تعمل لأكثر من 120 عاماً بشكل متواصل، ولا تتأثر بالتماس الكهربائي وغيره، لماذا لا نستخدم تلك التكنولوجيا لصناعة اللمبات، بدلا من صناعة أدوات إضاءة نضطر لتغييرها كل عدة أشهر؟

أعتقد أن الجواب واضح للجميع، وهو لو أن المصانع فعلت ذلك فلسوف تغلق أبوابها أكثر أيام العام، بسبب عدم الحاجة الى شراء اللمبات، وهو الأمر ذاته الذي تتبعه معنا الشركات التي تصنع الأدوات الكهربائية، والسيارات، وأجهزة الحاسوب، وغيرها.

بل إنني قد قرأت قبل فترة قصيرة أن إحدى شركات الهواتف الذكية أو جميعها تقوم بعمل تحديثات للهواتف بين فترة وأخرى، بقصد تطويرها وتحسين خدماتها وتحصينها من الثغرات الإلكترونية، وتضيف الى هذا كله مجموعة من التحديثات التي تجعل من الجهاز بطيئاً، وتدفعك الى تغييره، وإقتناء جهاز جديد من إنتاجها، وبذلك تزيد من مبيعاتها، وترفع من أرباحها.

وتدفعك المولات والأسواق الى التسوق والاستهلاك دفعاً، من خلال إقامة عروض على الكميات الكبيرة، أو تخفيض الأسعار في حال شراء مجموعة من المنتجات، التي من المتوقع أن تنتهي صلاحيتها في منزلك قبل أن تتمكن من إستهلاكها.

وتحذو البنوك حذو تلك الشركات والمؤسسات، من خلال التشجيع على الإقتراض وخفض نسب الفوائد بين الحين والآخر، والإعلان عن عروض وتسهيلات للإقتراض، بغرض زيادة القدرة الشرائية، ودفعنا الى الإستهلاك.

ولقد ساعدت فترة إنتشار وباء كوفيد-19 على تسريع وتيرة التطوير في مجال الشراء والتسوق الإلكتروني، فأصبحت الكثير من المحلات والشركات والمؤسسات تدعو المستهلكين الى التسوق من خلال موقعها الإلكتروني.

ونشطت خلال ذات الفترة عمليات البيع العشوائي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يقوم بها أشخاص بقصد الحصول على الأرباح، وهم يعملون عادة دون ترخيص، ولا يتكبدون عناء كفالة المنتجات أو تزويد المستهلك بخدمات ما بعد البيع كالإرجاع والإستبدال وتوفير قطع الغيار والصيانة والكفالة وغيرها.

كما أدى تطوير قطاع التوصيل الى تنشيط عملية الإستهلاك والحث عليها، بإمكانك اليوم إحضار المنتوجات المختلفة الى باب بيتك من خلال إستخدام تطبيق على الهاتف الذكي، أو الحصول على وجبة عشاء لذيذة في ساعة متأخرة من الليل دون أن تتكبد عناء حرق سعر حراري واحد، ولا يمكننا تجاهل أن الكثير من الشركات تمتلك خدمة التوصيل المجاني لمنتجاتها، وهو سبب آخر يدفعك الى الإستهلاك المحموم.

من خلال الأمثلة السابقة تلاحظ بأن الإنسان المستهلك يمثل للجميع مصدراً من مصادر الدخل، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها أو التغاضي عنها، فالمريض هو مصدر دخل الطبيب والصيدلاني، والجائع هو مصدر دخل المطاعم والمخابز، السائح هو مصدر دخل الفنادق وشركات الطيران والمواصلات، وهكذا.

وبالتالي فإن العملية الإستهلاكية ضرورية من أجل إستمرار دوران عجلة الحياة، ومن أجل الحفاظ على وظائف للعمال في المصانع، وجميع الأطراف التي ذكرتها سابقاً كالبنوك والأسواق والمولات والمصانع والشركات تدعونا الى الإستهلاك بشره.

خلاصة الموضوع هو أننا مستهلكون بالفطرة، ولن نتوقف عن الإستهلاك مهما بلغنا من مراحل التطور، والإكتفاء الذاتي هو خرافة تسوقها القيادات للأمم فقط وليس لها وجود على أرض الواقع، كل ما يمكننا فعله هو التحكم في إستهلاكنا، وامتلاك ثقافة إستهلاكية جيدة من خلال عدة نقاط سأذكرها في المقال المقبل ان شاء الله.