UAE
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

في ظلال اليوم العالمي للسلام

بمناسبة اليوم العالمي للسلام الذي يتزامن مع مرور عامين على توقيع الاتفاقات الإبراهيمية، يحق لنا أن نتساءل: هل يأتي يوم تحتفل فيه شعوب المنطقة وحكوماتها بيوم إقليمي للسلام، عندما تتمدد أنماط الصداقة وتنكمش أنماط العداوة، ويرتفع مستوى التعاون وينخفض مستوى الصراع بينها، وتنخرط دول الإقليم في تفاعلات تكاملية؟

حاول المنظِّرون الدوليون، منذ أن وضع إيمانويل كانط أطروحته الرائدة عن السلام الدائم عام 1795، تقديم اقترابات عديدة لكيفية تحقيق السلام بين الدول والشعوب، لعل أهمها الاقتراب الاقتصادي والاقتراب الثقافي.

وقد تأثر أصحاب الاقتراب الاقتصادي لتحقيق السلام بأفكار كانط عن دور التجارة والتبادل التجاري في تحفيز التعاون وتخفيض مستوى الصراع بين الدول. ثم جاءت النظريات الليبرالية لتعزز هذا الاقتراب، حيث يطرح الليبراليون عدة متغيرات تسهم في تشجيع التعاون وتعزيز الاتجاهات السلمية للدول، أبرزها: التجارة الدولية، والاعتماد الاقتصادي المتبادل، والتكامل الوظيفي بين النشاطات الاقتصادية في الدول، والحوكمة العالمية.

ولعل هذا الاقتراب هو ما يفسر سيادة السلام في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، حيث يتنامى مستوى الاعتماد الاقتصادي بين دول القارة، التي أصبحت بحكم تشابك المصالح الاقتصادية غير قادرة على المخاطرة بالدخول في صراعات فيما بينها. كما أن هذا الاقتراب كان وراء رؤية شيمون بيريز عن الشرق الأوسط الجديد عام 1993، حيث تتكامل القدرات الاقتصادية لإسرائيل وجيرانها العرب لتحقيق الرفاهية والرخاء لشعوب المنطقة. أما الاقتراب الثقافي في تحقيق السلام فيستند إلى التفاعلات المباشرة بين الناس في إحداث تغيير قيمي باتجاه الاعتراف بالآخر، واحترام التعددية الثقافية وإعلاء التسامح الإنساني.

ويشدد أصحاب هذا الاقتراب على دور الدبلوماسية الثقافية، وحديثاً على دور وسائل التواصل الاجتماعي في الخروج من إسار التصورات المسبقة والقوالب الذهنية الجاهزة عن الآخر، والانعتاق من عبء الخبرة التاريخية السلبية بين الأعراق والملل والنحل.

ويروج أنصاره لأدوات مبتكرة لتحقيق ذلك، يأتي على رأسها التبادل الطلابي، والتعاون الأكاديمي، والمهرجانات الثقافية، والمعارض الفنية، والأعمال السينمائية والتلفزيونية المشتركة، وغيرها من الأدوات التي يجمعها أنها تأتي بمبادرات من القاعدة (المواطنين)، وتتجه إلى القمة (الحكومات).

فالافتراض الأساسي هنا أن مثل هذه المبادرات والانخراط المباشر بين الناس يمهد السبيل للتفاهم والتعاون بين الحكومات. وقد نظر موقعو الاتفاقات الإبراهيمية إليها على أنها الخطوة الأولى في تحقيق السلام الإقليمي، إذ تمهد لتأسيس اتصالات مباشرة بين الأفراد، وتيسر تكوين مشاركات بين منظمات الأعمال وتنظيمات المجتمع المدني، وتطلق تفاعلات تكاملية في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين الدول عبر المنطقة.

وفي السعي لتحقيق السلام الإقليمي، لا يمكن - ولا ينبغي - ترجيح اقتراب على آخر، وإنما يمكن الجمع بينهما. ومن ثم، يمكن الحصول على اقتراب متكامل يستند إلى الاعتماد الاقتصادي المكثف والتفاعلات الاجتماعية - الثقافية المباشرة بين شعوب المنطقة.

بيد أن أياً من هذه الاقترابات المقترحة لإرساء السلام لن تؤتي أكُلَها ما لم تتوافر إرادة سياسية لتسوية كل أنماط الصراعات الممتدة في المنطقة، وعلى رأسها الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على أساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.


مركز تريندز للبحوث والاستشارات