UAE
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

حرب أوكرانيا.. والتطورات الخطيرة

حرب أوكرانيا.. والتطورات الخطيرة

شهد الصراع الدائر في أوكرانيا منذ فبراير الماضي، في أسابيعه الأخيرة، تطورات خطيرة متلاحقة يتطلب كل منها وقفةً تحليليةً للنظر في أسبابها وتداعياتها، ليس على الصراع فحسب وإنما على الأمن العالمي بأوسع معانيه. ويمكن رصد بداية هذه التطورات بالنجاحات ولو الجزئية التي حققها الجانب الأوكراني مؤخراً، ومفادها تحرير حوالي ستة آلاف كيلومتر مربع من مجموع الأراضي التي تمكنت القوات الروسية من السيطرة عليها. ورغم ضآلة نسبة الأراضي التي استطاعت القوات الأوكرانية استردادها فإن المعنى الرمزي لهذا الإنجاز غير خافٍ، وهو أن انتصار القوات الروسية ليس حتمياً، وأن التصدي لها بل والانتصار عليها ممكن.. وهو استنتاج متسرع بالنظر لاعتبارات التاريخ والجغرافيا. فقد تعرضت روسيا في تاريخها الحديث لأكثر من محاولة غزو تمكنت من التغلغل في أراضيها، كما حدث مع كل من نابوليون وهتلر، لكن النصر كان لها في النهاية. صحيح أن روسيا الآن في وضع الهجوم وليس الدفاع، وأن الأوكرانيين يدافعون عن أرضهم، لكن المعضلة أن هذه الأراضي يسكنها أناس من أصل روسي، والأهم أن موازين القوى الشاملة لا يمكن أن تسمح بهزيمة روسية، وكما يقولون فإن القوى النووية لا تُهزم فما بالنا بالقوة المتصدرة للترسانة النووية العالمية مع الولايات المتحدة، بمعنى أن هذه القوى قد تلجأ للسلاح النووي إذا شعرت بأن هزيمتها في حرب تقليدية صارت وشيكة. ولعل هذا ما دفع الأمور إلى تصعيد خطير وهو التهديدات المتبادلة باللجوء إلى الخيار النووي، بغض النظر عن الخفة التي تحدث بها البعض في هذا الصدد. والحقيقة أن الخطر يكمن في الأسلحة النووية التكتيكية ذات التأثير المحدود، أو كما في حالة الأسلحة التي تحتوي على اليورانيوم المُنَضب، الذي اتُهِمت الولايات المتحدة باستخدامه في غزو العراق عام 2003 وفي الحرب على صربيا عام 1999.
ولا يقل خطورةً عما سبق مضي روسيا قُدُماً في إجراءات ضم المناطق التي تسيطر عليها ليس فقط في إقليم دونباس وإنما أيضاً في مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا، حيث تم تنظيم استفتاءات في هذه المناطق أسفر عن أغلبية ساحقة تؤيد الانضمام لروسيا، على النحو الذي تم به ضم شبه جزيرة القرم عام 2014. والمعنى السياسي الواضح لهذه الخطوة أن روسيا لن تتزحزح خطوةً عن موقفها وأن الأمور في طريقها لمزيد من التصعيد على أساس أن العمليات العسكرية الأوكرانية في هذه المناطق ستصبح من وجهة النظر الروسية الرسمية عدواناً على الأراضي الروسية يستوجب الرد بأقوى السبل، ويعني هذا أن روسيا ستواجه تحدياً في الأيام القادمة لتأكيد قدرتها على ردع أي اعتداء على الأراضي التي ضمتها رسمياً. وقد ذكرت بعض التقارير أن هذا التصعيد قد ييسر الطريقَ نحو حوار روسي أوكراني. وأعتقد (وأرجو أن أكون مخطئاً) أن آفاق التسوية تبدو في الوقت الراهن مستحيلةً بالنظر إلى للتعارض التام بين مواقف طرفي الصراع المباشرين، فلا يمكن لأوكرانيا أن تتنازل عن شبر من أراضيها من ناحية، ولا يمكن لروسيا من ناحية ثانية أن تتراجع عن مطالبها الأمنية أو عن ضم المناطق الأربع، وبالتالي فالتصعيد قائم ومستمر، وقد لا يتوقف إلا بهزيمة أحد الطرفين، وفي ظل الدعم الهائل الذي تتلقاه أوكرانيا من حلف شمال الأطلسي والقوة العسكرية الهائلة لروسيا، فأغلب الظن أن يستمر القتال ويتصاعد حتى يحدث تفكك داخلي في أحد طرفيه المباشرين أو خارجي في قاعدة تأييد أحدهما أو كلايهما، كما في حالة تفكك الصف الأوروبي الموالي للولايات المتحدة، والله أعلم.


*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة