UAE
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

صاحب سيف بن ذي يزن يطوي الصحائف والكتب

ترجل عبد العزيز المقالح بعد ثمانية عقود ونيف، من التنفس عبر القصيدة الحداثية الناطقة باسم الوطن، الذاهبة في ثنايا صنعاء، القابضة على حلم العودة إلى وهج الحياة.
ابن إب، يخرج من قميص العمر بدواوينه الشعرية الملتهبة عشقاً، وتوقاً إلى يمن عربي، نقياً من شوائب التبعية، يخرج هذا الشاعر، والناقد والأكاديمي الكبير بمعطف النقاء، ليدخل عالم الصمت الرهيب، مودعاً عالمنا بعد معاناة مع المرض البغيض الذي اختطف منا شاعراً مفوهاً، منمقاً بعذب الكلم وخير المفردة في قصيدة التفعيلة، يغادر بكل صفاء، تاركاً حلمنا وحيداً في وجه عاصفة الاصطفافات الأيديولوجية، والنظريات ضيقة الأفق، تاركاً أفقنا في خضم الكراهية يضيق، وتعتم سماؤه، وتغتم قلوبنا لوجود صنعاء تحت وطأة المأخوذين بصلف الأنانية، واحتكار الحقيقة.
اليوم تبكي صنعاء ابنها، وضاح اليمن، لتبقى الكلمة بلا جياد يسوس حضورها، ويضعها عند رمش العين، وما بين الجفنين، تبقى القصيدة في معمعة الهدير، وغضب الحاقدين مثل غزالة يشردها جشع الأنياب الصفراء وهلع القلوب المرتجفة.
ترجل المقالح وهو يتأبط دفتر الأحلام، لعلها تزدهر في عيون جيل يمني ينتصر في نهاية المطاف على الباغي، والظالم الذي حول اليمن إلى كرة نار تتدحرج باتجاه المجهول، ولتحرق بقايا ما تبقى من زرع، وضرع، وحاضر كان بإمكانه أن يحفظ الود لبلقيس، ويحمي مأرب من تلوث الأفكار، وانهيار مائه وذهاب خيره إلى من هم راهنوا على الآخر، وما الآخر إلا خدعة بصرية لا تغري إلا عشاق التزحلق على خرافة الأنا الضائعة في أتون الطائفية، والحزبية الضيقة.
رحم الله عبد العزيز المقالح ابناً باراً ليمن عروبي، أصيب، لا تفشيه غاشية الأنداد الغشامى، والمتحذلقين بقيم هي مثل الرثاثة، وأبعد من ذلك في قتامتها.
رحم الله هذا الشاعر، الذي رحل وترك لنا إرثاً معرفياً، وشعرياً يوزن بإرث اليمن العريق وتاريخه الأسطوري السحري، والذي منه خرجت قصيدة المقالح وترعرعت، نثريته الثرية العميقة في المعنى والدلالة، الساردة أغنية الحياة الزاهية، النابغة في كونها، وتكوينها، وكيانها، هو هذا الشاعر الذي ستفتقده القصيدة العربية، وسيبقى مقعده شاغراً، ومكانته مفقودة.
رحل المقالح ومعه ربما تنتهي الرحلة في طريق القصيدة العربية، بما لها من صوت وصيت لأن المقالح شاعر، استشعر الخطر على بلاده من أمد بعيد، ولكن الظرف اليمني لم يساعد على إجلاء الحقائق، حتى نهض الشرفاء من هذه الأمة لتحرير بلاد بلقيس من وثنية الطائفية.
رحم الله عبدالعزيز المقالح، وألهم عشاقه الصبر والسلوان.