UAE
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

وجوه إلكترونية صافية.. حقيقية داكنة

اليوم الوجوه التي تتراءى لنا في كل مشهد يومي من خلال وسائط التواصل الاجتماعي والتي دخلت علينا هواتفنا ومنازلنا من دون استئذان تظهر بوجه إلكتروني صافٍ، وحقيقي داكن أو مختلف من دون تلك اللمعة الكاذبة، وكأن لديها انفصاماً في الشخصية الإلكترونية، ولو تتبعت الشخصيات التي تظهر نشطة في وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة العربية فستجدها تقدم نفسها بطريقة في الواقع الافتراضي، وبطريقة أخرى مغايرة عن حياتها في الواقع، هذا هو الانفصام بين الشخصية الإلكترونية والشخصية الواقعية، وبعضهم يقدم ثلاثة وجوه وأربعة حسب وسيلة التواصل الاجتماعي، فوجه للـ «فيس بوك»، ووجه للـ «الإنستغرام»، ووجه للـ «سناب تشات»، فالفتاة الراقصة المتراقصة التي تظهر في الـ «سناب تشات»، وهي تمضغ كلماتها كعلكة ذائبة، مع كلمتين بالإنجليزية، وغنج مستورد، وأن أكلها كله «أورغانك»، ما تصدق أن تصل البيت حتى تطلب من مطعم «المندي والمظبي»، والتي تحوم من الصباح على المقاهي تصور أكواب القهوة، على أساس أنها تبدأ صباحها بقهوة أمريكاني مع «مافنز»، تراها ما ظهرت من البيت إلا بعد أن وسَّدَت ضرسها بصحن بلاليط وخمير، أما ذاك الذي يظهر لك بعد صلاة الفجر، وهو ينصحك: بأن تدع القلق وتبدأ الحياة، ويحضك على القناعة، والرضا وملاقاة الناس بوجه بشوش، جرب أن تلقاه قبل أن يتناول فطوره، وأسأله أي سؤال عابر، لا سؤالاً عن سلف أو دين، لأنه ساعتها سينسى نصائحه لمتابعيه، وسيعطيك بما تجود به شخصيته الحقيقية لا المرئية، وهناك من يقدم نفسه على أنه هادئ، ومتزن، ولغته هاشّة باشّة، ولو ضايقه سائق سيارة الأجرة في الشارع فسيرميه بشرر ألفاظه ومسباته.
لما حينما نرى «ميكروفوناً وكاميرا»، يظهر التهذيب المبالغ فيه، والنبرة الراقية، ونرتدي قناع التقوى والمثالية والشخصية الواعظة المرشدة، وفجأة نخلع قناع شخصيتنا العادية، ونذهب باتجاه الزيف والمزيف، ننفصل للحظات عن واقعنا، لنعيش في عالم من الوهم والافتراض، قليل جداً من يكون على طبيعته حين يظهر في وسائط التواصل الاجتماعي، بمعنى الشخصية السوية في المجتمع كيفما هي طبيعته، يعني: يغضب ويزعل ويسخط، كردة فعل طبيعية تجاه بعض الأشياء التي لا تسر، أنا قلما أرى هذه الشخصيات الإلكترونية غاضبة أو حانقة، وخاصة الفتيات، لأن «المكياج والبريستيج» سيخرب، أما الضحك وتوزيع الابتسامات، فهذا تخصص الشخصيات الإلكترونية، فالحياة أثناء التصوير لابد وأن تكون وردية، وكلهم فرحون في السفر، ومندهشون من أمور تبدو لنا عادية، لكنها عندهم كما يقولون: ««واووو»! صحن أكل: يا ربي ولا غلطة! منظر حديقة ليست بالغنّاء، لكنها في نظر أم الـ «سناب تشات»، فظيعة.. مذهلة، ولا في الخيال! وكلها شجرتان غير مثمرتين، وورد كذّاب، وحبّاية عجزت ما تتسلق ذلك الجدار المنخفض، والواحدة منهن ما تدخل محل إلا وتشعر أنه أعطاها من بضائعه الكاسدة، لأن حجم الإعلان المباشر لمحله يفوق المجان، خاصة وهي تتصور أمام محله، وتغش متابعيها: تصدقون مرات ما في أحلى من الصدف! أو تختلق لها قصة أن كل الناس تمدح هذا المحل وبضاعته، فقررت أن تكتشف المكان، وتقدمه لمحبيها مع ابتسامة طبشورية كاذبة.