Saudi Arabia
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

ضحاياها مئات القتلى.. لماذا تتكرر حوادث الحرائق والغرق في العراق؟

بغداد- يسجل العراق سنويا آلاف الحوادث بين الحرائق والغرق ذهب ضحيتها مئات القتلى وخلفت أعدادا من المصابين، وغالبا ما تعقب مثل هذه الحوادث إجراءات حكومية وتحقيقات، لكنها لم تسفر حتى الآن عن وضع حد لتلك المآسي التي باتت تفتك بالعراقيين.

ويتساءل عراقيون عن جدوى فرق التحقيقات والإجراءات الحكومية بعد كل حادث، في الوقت الذي كان يمكن تجنبها بتطبيق القوانين والتعليمات الخاصة بالبلديات.

وأحصت مديرية الدفاع المدني التابعة لوزارة الداخلية عام 2022 أكثر من 32 ألف حادث حريق، مع تسجيل -عام 2023- قرابة 19 ألف حريق حتى أغسطس/آب الماضي، وتسببت تلك الحرائق في مقتل نحو 850 عراقيا خلال السنوات الثلاث الماضية.

أبرز تلك الحوادث شهدتها محافظة نينوى الأسبوع الماضي، عندما احترقت قاعة عرس الهيثم في قضاء الحمدانية جنوب شرق الموصل، خلال حفل زفاف حضره أكثر من 600 شخص، وأدى الحريق لوفاة 104 شخصا، 41 منهم مجهولو الهوية، فيما ينتظر العراقيون نتائج التحقيق التي وعدت الحكومة العراقية بأنها ستصدر رسميا خلال يومين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سجلت العاصمة العراقية بغداد احتراق مبنى تجاري بمنطقة الوزيرية، وأدى لفقدان نحو 10 أشخاص وإصابة أكثر من 20 من فرق الدفاع المدني، بعد أن تسبب استخدام المبنى كمخزن للعطور في اندلاع النيران، التي استمرت أياما عديدة رغم مشاركة 50 فرقة من الدفاع المدني.

وقد لا تعد هذه الحوادث الأسوأ، إذ أدى حريق في مستشفى الحسين بمحافظة ذي قار (جنوب البلاد) لوفاة نحو 64 شخصا وإصابة العشرات في يوليو/تموز من عام 2021، ثم تلى هذه الحادثة احتراق مستشفى ابن الخطيب بالعاصمة بغداد في يوليو/تموز من العام ذاته، والذي أدى لمقتل نحو 82 شخصا وإصابة العشرات أيضا، نتيجة انفجار قناني الأوكسجين الطبي داخل المستشفى.

وبعيدا عن حوادث الحرائق، تسبب غرق عبارة الموصل في مارس/آذار 2019 في وفاة أكثر من 120 عراقيا وفقدان آخرين، في الوقت الذي تسبب غرق المطعم اللبناني العائم ببغداد عام 2013 في وفاة نحو 100 عراقي.

استخفاف بالقوانين

لم تفلح التحقيقات والإجراءات الحكومية التي تلت هذه الحوادث في وضع حد لإزهاق أرواح العراقيين، إذ كشفت نتائج التحقيقات في غرق عبارة الموصل عن إلقاء القبض على أحد المستثمرين وإحالته للقضاء والحكم عليه بالسجن 6 سنوات فقط، فيما قدم وزير الصحة العراقي استقالته عقب حادثة احتراق مستشفى ابن الخطيب ببغداد، في الوقت الذي أحالت فيه محافظة ذي قار 13 مقصرا في حريق مستشفى الحسين بالمدينة للتحقيق.

وبعد حادثة الحمدانية، أوعز وزير الصحة العراقي صالح الحسناوي بإغلاق مستشفى الخنساء الكرفاني للنساء والتوليد في مدينة الموصل، فيما لا يزال العمل مستمرا في مبنى المستشفى الجمهوري الكرفاني في الجانب الأيمن (الغربي) من الموصل، والذي يعد مخالفا لشروط السلامة.

في هذا السياق، كشف مصدر مسؤول في مديرية الدفاع المدني بالموصل، أن الفساد والتدخلات من قبل المتنفذين والمسؤولين تحول دون تطبيق قانون الدفاع المدني، مشيرا في الوقت ذاته إلى ضعف إجراءات قانون الدفاع المدني الذي حال دون رفع التجاوزات المتعلقة بأنظمة السلامة في قاعة العرس بالحمدانية، فضلا عن أن القاعة لم تحصل على رخصة رسمية لإنشائها.

وفي حديث للجزيرة نت، أوضح المصدر -الذي اشترط عدم الكشف عن هويته- أن التدخلات حالت دون رفع التجاوزات الحاصلة في قاعة الحمدانية التي استخدمت في بنائها مواد سريعة الاشتعال ومخالفة لشروط السلامة المهنية.

الفساد المستشري

من جهته، يصف النائب عن محافظة نينوى ورئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور ماجد شنكالي الحكومات العراقية بعد عام 2003 بأنها حكومات "ردود أفعال لا أفعال" مبينا أنه لو كان هناك تطبيق للقانون وتعليمات صارمة في تشييد المباني والمرافق التجارية لما تسبب حريق الحمدانية بمقتل أكثر من 100 بريء.

وفي حديث  للجزيرة نت، تابع شنكالي أن مشكلة الحرائق والإهمال تعد متسلسلة كما حدث في احتراق مستشفيي ابن الخطيب والحسين، وقبل ذلك غرق عبارة الموصل والكثير من الحوادث الأخرى، مشيرا إلى أن أسباب جميع تلك الحوادث يتعلق بعدم تطبيق إجراءات السلامة المهنية والدفاع المدني، فضلا عن انعدام شروط منح الرخص للمرافق التجارية.

ويرى شنكالي أنه عمل الدفاع المدني في العراق وفق القانون للكشف عن المرافق التجارية بصورة دورية، إلا أن تدخلات المسؤولين والمتنفذين يحول دون تطبيق القانون، مؤكدا أن "الفساد المستشري" في المؤسسات الحكومية يعد سببا رئيسيا فيما يحدث، وأن 95% من استثمارات القطاع الخاص والعام تفتقد لشروط الدفاع المدني بشكل تام، بما يشمل بوابات الطوارئ وأنظمة الإنذار المبكر والإطفاء وشروط السلامة، وفق قوله.

واختتم شنكالي حديثه بالإشارة إلى أن العراق لا يزال واحدا من الدول القليلة التي تفتقر لنظام التأمين على الحياة، مبينا أن ذلك يتسبب بمعاناة إضافية للضحايا، وهو ما يعد أمرا سلبيا في البلاد التي تزخر بثروات هائلة.

قانون الدفاع المدني

يعتمد الدفاع المدني في عمله على القانون رقم 44 لعام 2013 الذي يضم 40 مادة قانونية، وهو ما أشار إليه المتحدث باسم الدفاع المدني العراقي جودت عبد الرحمن، مبينا أنه وبسبب عدم التزام المخالفين بالتوصيات، فإن المديرية تعمل على اقتراح تعديل للمادة 20 من القانون.

وأشار عبد الرحمن -في حديث سابق للجزيرة نت- إلى أن المقترح يشمل رفع قيمة الغرامة التي تتراوح من (190- 680 دولارا) إلى 10 آلاف دولار، فضلا عن إغلاق المشروع نهائيا، حتى تتوفر فيه شروط السلامة اللازمة التي ينص عليها القانون.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي أنمار العبيدي -في تصريح للجزيرة نت- أن المشكلة في العراق لا تتعلق بالقانون قدر تعلقها بتطبيقه، وأن العراق ومنذ 20 عاما يتكبد خسائر هائلة بسبب حوادث الغرق والحرائق، في الوقت الذي كان يمكن تجنبها لو طبق القانون بشكل صحيح.

ويتفق مع هذا الرأي الخبير القانوني أمير الدعمي الذي يرى -في حديثه للجزيرة نت- أن العراق يفتقر لدولة المؤسسات، حيث تمنح إجازات البناء للمشاريع بانتقائية ووفق الوساطات، مضيفا أن "الاستثناءات الممنوحة لكثير من أصحاب المباني في عدم توفير شروط السلامة، أدى لكثير من مآسي الحرائق".

وبحسب مديرية الدفاع المدني، يضم العراق 225 مركزا للدفاع المدني موزعا في مختلف المدن والمحافظات باستثناء إقليم كردستان، فضلا عن عشرات الفرق التابعة للمديرية المرابطة في المواقع المهمة وقرب المراكز التجارية.