Saudi Arabia
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

وائل الدحدوح ينتصر على رسالة الدم الإسرائيلية

أعتقد أن رباطة جأش الزميل وائل الدحدوح مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة، في أعقاب استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي لأسرته واستشهاد زوجته وولديه وحفيده، بمثابة رسالة لدولة الاحتلال قد لا تقل تأثيراً وعمقاً عن رسالته الإعلامية التي لم يستطيعوا تحملها أو مواجهتها باحترافية، ذلك أن الزميل أعلن بوضوح استمراره كما كل مواطني القطاع في الصمود مادامت القضية عادلة، وتأكيده على أن دولة الاحتلال بلا أخلاق، موجهاً التحية للمقاومة وللشعب الفلسطيني أينما كان.

إلا أنه برصد الأحداث المتزامنة حول الأزمة نفسها، سوف نجد أنه في الوقت الذي كان فيه الزميل يودع أسرته إلى مثواها الأخير، كان أحد القادة العرب يعلن أنه بحث مع أحد القادة الأوروبين سبل الإفراج عن مزيد من الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، وكان أحد القادة العرب أيضاً يناشد العالم إلى إدانة العدوان، وكان قائداً عربياً آخر يتحدث عن أهمية إدخال المساعدات الإنسانية، دون التركيز أو حتى الإشارة لأرواح الأبرياء أو دماء الشهداء.

في الوقت نفسه كان بنيامين نتنياهو رئيس حكومة دولة الاحتلال يحذر الفلسطينيين من التواجد في شمال القطاع حيث المزيد من القصف ينتظرهم، وكان الرئيس الأميركي جو بايدن يتحدث في مؤتمر صحفي عن ضرورة القضاء على المقاومة الفلسطينية، بينما كان القصف الإسرائيلي للقطاع مستمر بلا هوادة، مخلفاً عشرات القتلى خلال دقائق معدودة، وتعلن الضفة الغربية عن ارتفاع عدد الشهداء هناك إلى 108 منذ بدء العدوان، مع قصف إسرائيلي آخر على الأراضي السورية مخلفاً خسائر مادية وبشرية.

عصابة من المجرمين

نحن إذن أمام كيان محتل غاصب، عبارة عن عصابة من المجرمين، لا يرتدعون بقوانين دولية، ولا مناشدات إنسانية، وإلا كانت قرارات الأمم المتحدة خصوصاً 242و 338 أولى بالتطبيق والتنفيذ من ذلك الذي يتم مناقشته في أروقة المنظمة الدولية حالياً دون جدوى، وهو الأمر الذي كان يجب أن تعيه العواصم العربية منذ بداية الأزمة، وذلك بالإصرار على إدخال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني الأعزل، ليس ذلك فقط، بل ومد يد العون إلى المقاومة مادامت الدول الكبرى قررت تسليح دولة الاحتلال، في مواجهة مجموعات صغيرة تخوض حرب تحرر وطني لا شك فيها.

أيضاً نحن أمام عالم غربي استعماري، منح الضوء الأخضر لدولة الاحتلال منذ اليوم الأول كي تفعل ما تشاء، أغدقوا عليها بالمال والسلاح، منذ اليوم الأول وزيارات كبار قادة العالم للدعم والمؤازرة لم تتوقف، منذ اليوم الأول والتحريض على القتل وسفك الدماء واضحاً علنياً في ميكروفونات المؤتمرات الصحفية وفي وسائل الإعلام، منذ اليوم الأول وأروقة الاتحاد الأوروبي لا تتوقف عن التعامل مع الأحداث من منطلق طائفي بغيض، وعنصري واضح.

كيان هش وضعيف

من الطبيعي إذن استهداف أسرة وائل الدحدوح، وكل إعلامي ينقل حقيقة المجازر بالقطاع، بعد أن تم استهداف ما يزيد على 15 إعلامياً في غزة وجنوب لبنان منذ بدء المواجهات، إلا أن ذلك لم يثن زملائهم الآخرين عن التغطية والعمل بمهنية من خلال نقل ما يجري على الأرض ليس أكثر، بما يشير إلى أننا أمام كيان صهيوني هش ضعيف يقتل على مدار الساعة، ولا يريد لأحد نقل الحقيقة، وإلا لما استهدف من قبل برجاً سكنياً يضم مكاتب عدد من القنوات التليفزيونية، ومن بينها قناة الجزيرة أيضاً، ثم قتل الزميلة شرين أبو عاقلة بدم بارد فيما بعد.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن شيرين أبو عاقلة كان يجب أن تمثل أزمة حقيقية ونقطة توقف لكل العاملين بمهنة الإعلام في العالم، إلا أن ذلك لم يحدث، وهو ما يجعلنا ندعو إلى اعتبار عملية اغتيال أسرة وائل الدحدوح التي تم تنفيذها أيضاً بدم بارد مع سبق الإصرار، بمثابة صفعة إسرائيلية أخرى للمهنة يجب أن تنتفض لها كل المؤسسات الدولية العاملة في هذا المجال، بخلاف المحاكم الدولية، على اعتبار أننا أمام تجاوز من نوع آخر، ربما أكثر حمقاً وقذارة، ولم يجرؤ على ارتكابه سوى هذا الكيان الغاصب الذي لم يتورع عن ارتكاب المجازر منذ نشأته الشيطانية بالمنطقة.

لن يكون الشهداء الإعلاميين الذين سقطوا في هذه المواجهات، هم آخر الشهداء في سلسلة استهدافات هذا الكيان الغاصب، كما لن تكون أسرة الدحدوح الأخيرة في سلسلة استهدافات أسر الإعلاميين، مادام ظل هذا الكيان يعربد في المنطقة، ومادام يجد الدعم من دول الغرب المتغطرس، ومادام يجد حصانة من المحاكم الجنائية الدولية، وفي الوقت نفسه مادام الموقف العربي متخاذلاً لا يرقى أبداً إلى مستوى الأحداث، وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد.

على أي حال، لا نجد أمامنا في هذا المقام إلا أن نعزي الزميل وائل وجميع أسر الشهداء الذين سقطوا بعد أن تمسكوا بالبقاء في وطنهم، ندعو لجميع الشهداء مقاومين ومدنيين، نساءً وأطفالًا، شباباً وشيوخاً، بأن يتغمدهم الله برحمته، وأن يلحقهم بالنبيين والصديقين والشهداء، ويلهم أهليهم الصبر حتى النصر، فهو وعد الله، ولن يخلف الله وعده، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولله الأمر من قبل ومن بعد.