Saudi Arabia
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

مرن أم هش.. ما حقيقة الوضع الاقتصادي في مصر؟

القاهرة- يمر العالم بأزمة اقتصادية كبيرة ناجمة عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وجائحة فيروس كورونا ومتحوراته، لكن وطأتها على الدول النامية كانت أكثر حدة، خاصة تلك التي تعاني من عجز كبير في حجم التمويلات من أجل سد العجز في الموازنة المالية وسداد أقساط الديون، مثل مصر.

وتشير بعض التقارير الاقتصادية إلى أن مصر ربما تدفع مبالغ باهظة لتمويل عجز متوقع قدره 30 مليار دولار في ميزانية السنة المالية التي تبدأ في يوليو/تموز المقبل، إلى جانب التزامات نحو الدين الخارجي تتراوح بين 25 مليار دولار و30 مليارا على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

تختلف تداعيات الأزمة الاقتصادية على دول العالم، وفق خبراء ومحللين ومؤسسات اقتصاد، على حسب صلابة اقتصاد تلك الدولة في مواجهة الصدمات العنيفة، وفي حالة مصر التي تعاني من تدهور اقتصادي يعول المسؤولون على "مرونة" الاقتصاد في امتصاص التأثيرات السلبية والعبور من عنق الزجاجة.

 عوامل الأزمة.. محلية أو عالمية

تنفي الحكومة المصرية عن نفسها دائما أن يكون الوضع الاقتصادي الداخلي هو المسؤول عن الأزمة التي تمر بها البلاد، وأرجعها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى الأزمة العالمية، قائلا "إننا نتحدث عن أسوأ أزمة يمر بها العالم بأسره منذ عشرينيات القرن الماضي، أي منذ ما يقرب من 100 عام، وكل العالم يصفها بذلك".

واعتبر مدبولي، خلال مؤتمر صحفي عقد خصيصا لمناقشة الوضع الراهن للاقتصاد، منتصف مايو/أيار الماضي، أن النقاشات التي تدور حول الأوضاع الحالية في مصر والتي القول إنها بمثابة أزمة محلية وليست نتاج مشكلة عالمية "هو أمر ليس صحيحا".

كما استبعد وزير المالية محمد معيط، في تصريحات صحفية، أن يتعرض اقتصاد بلاده للركود، وقال إنه بات أكثر تماسكًا في مواجهة التحديات العالمية، ويمتلك القدرة على التعامل الإيجابي المرن مع الصدمات الداخلية والخارجية، موضحًا أن الإصلاح الاقتصادي جعل الدولة أكثر قدرة على مجابهة الأزمات الاقتصادية العالمية.

قفزات متتالية في مخصصات الموازنة لسداد أقساط الديون وفوائدها خلال 5 سنوات pic.twitter.com/wIqXP5nQ73

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) May 10, 2022

 اقتصاد هش أم مرن؟

في المقابل، يرى استشاري نظم الحوكمة والتطوير المؤسسي الدكتور سمير الوسيمي أن الحكومة المصرية تتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية لأنها لم تستطع جعل الاقتصاد صلبا بما فيه الكفاية لتحمل الهزات العالمية القوية بالاعتماد بشكل متزايد على القروض والمساعدات المالية واستخدامها في مشاريع بنية تحتية ضخمة لا تدر عوائد حقيقية، وهو ما جعل الاقتصاد المحلي هشا.

وتصف مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا الوضع الاقتصادي المصري بأنه "متدهور" وتقول إن هناك عددا كبيرا من المواطنين معرضون لأوضاع معيشية صعبة، لافتة إلى حاجة مصر إلى الاستقرار المالي والاستمرار في الإصلاحات، إلى جانب الحاجة لبرنامج تابع لصندوق النقد يحمي الفئات الضعيفة.

وطلبت القاهرة بالفعل برنامجا جديدا من "النقد الدولي" لمدة 3 سنوات، ولم تكشف عن القيمة المتوقعة للقرض الجديد من الصندوق، لكن من المرجح ألا تكون كبيرة بحسب محافظ البنك المركزي طارق عامر، خاصة أن مصر حصلت على تمويلات بقيمة 20 مليار دولار منذ عام 2016.

صافي الدين الخارجي لمصر يقفز 8.1 مليارات دولار في الربع الأخير من عام 2021 ليصل إلى 145.5 مليارا بحسب ما نشرته "رويترز" pic.twitter.com/5SqHwl2sIS

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) May 29, 2022

أزمة خطيرة

حذرت بلومبيرغ في تقرير لها بعنوان "أزمات الاقتصادات الناشئة.. الجوع وانقطاع الكهرباء مجرد بدايات" من تراكم وابل من الصدمات لم تواجه الأسواق الناشئة مثيلاً له منذ التسعينيات، حيث أدّى سيل من الأزمات إلى غرق الاقتصادات والإطاحة بالحكومات".

وأوضحت هذه الوكالة الأميركية أن الاضطرابات الناجمة عن تزايد أسعار الغذاء والطاقة تضرب بعمق في دول من بينها مصر، في حين تهدد الأخطار بالتحول إلى كارثة ديون أوسع نطاقاً، مشيرة إلى أن الدولة المصرية ضمن قائمة المعرضين للخطر بسبب معاناتها من مشكلات في ميزان المدفوعات.

وقبل الحرب الروسية الأوكرانية كانت القاهرة تستورد 42% من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، وكان 31% من عدد السياح الوافدين إلى مصر من هذين البلدين أيضا، بحسب رئيس الوزراء.

وما بين اعتبارها أزمة محلية أو عالمية واقتصادا هشا أو مرنا ونظرة مستقبلية سلبية أو إيجابية، يأتي دور الأرقام المحايدة التي تعرض الوضع الحقيقي للاقتصاد المصري وما له وما عليه، بعضها غير مسبوق في تاريخ البلاد سلبا، وبعضها فاق التوقعات إيجابا.

أرقام تروج لها الحكومة المصرية

  • %6.2 نسبة النمو الاقتصادي المتوقع خلال العام المالي 2021-2022.
  • تحقيق فائض أولي 91 مليار جنيه (4.9 مليارات دولار) أي ما يمثل 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي.
  • حجم الدين العام 85% من إجمالي الناتج المحلي.
  • خفض العجز الكلي للناتج المحلي الإجمالي إلى 6.2%.
  • 7.9 تريليونات جنيه (424 مليار دولار) حجم الناتج المحلي الإجمالي.
  • 45.2 مليار دولار حجم الصادرات عام 2021.
  • %7.4 معدل البطالة.

أزمة عابرة أم مستقرة؟

تقر السلطات المصرية بأنها تمر بأزمة اقتصادية حادة لكنها "عابرة غير مستقرة" وتصدرت القرارات الاقتصادية عناوين قرارات  الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال حفل إفطار "الأسرة المصرية" في شهر رمضان الفائت، وكلف الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بمستهدف 10 مليارات دولار سنويًا ولمدة 4 سنوات.

وأعرب السيسي في وقت سابق عن إحباطه من أداء حكومته، وذكر -عند افتتاح مصنع كيميائيات جديد في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي- أن الدولة ليست جيدة في إدارة الاقتصاد، وقال "إننا بحاجة إلى القطاع الخاص، لقد ثبت أننا غير أكفاء في الإدارة" وفق مجلة "إيكونوميست" (The Economist) البريطانية.

وتلتهم أعباء الديون الداخلية والخارجية إيرادات الدولة بالكامل حيث تصل نسبتها 110% من إجمالي الإيرادات العامة، أي نحو تريليون و655.7 مليار جنيه (89 مليار دولار) (690.2 مليار جنيه فوائد و965.5 مليارا أقساط ديون) في حين أن إجمالي الإيرادات المتوقعة يبلغ تريليونا و517.9 مليار جنيه (81.6 مليار دولار) بحسب البيان المالي للموازنة العامة للدولة للعام المالي (2022-2023).

وزادت الفجوة بين الدين الخارجي والاحتياطي النقدي في مصر بنحو 4 أضعاف خلال 12 عاما، بحسب بلومبيرغ، حيث قفز الدين الخارجي إلى 145.5 مليار دولار، وهبط الاحتياطي النقدي إلى نحو 37.1 مليارا، وكان الاحتياطي النقدي عام 2011 نحو 36 مليار دولار والدين الخارجي 34.9 مليارا.

ونتيجة الإلتزامات الكبيرة، ستصبح مصر أكبر مُصدِر للديون السيادية بين الأسواق الناشئة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، بإصدارات تبلغ 73 مليار دولار خلال العام الحالي، مقابل 63 مليارا العام الماضي من خلال إصداراتها من السندات، حسب توقعات مؤسسة "ستاندرد آند بورز" (S&P) المالية.

ولمواجهة أثر خروج 20 مليار دولار من الأموال "الساخنة" وتصاعد معدلات التضخم وتراجع الاحتياطي النقدي، لجأ المركزي المصري إلى سلسلة إجراءات مفاجئة مثل خفض قيمة الجنيه أمام الدولار بنحو 19% ليتراجع إلى أدنى مستوى له في 5 سنوات إلى نحو 18.6 جنيها، وزيادة أسعار الفائدة بإجمالي 3% في اجتماعين متتالين.

موازنة العام المقبل مثقلة بالديون والضرائب

تكشف موازنة العام المالي المقبل 2022/2023 الكثير من التحديات غير المسبوقة مثل:

  •  التوسع في تحصيل الضرائب.
  • زيادة قيمة التمويلات بنسبة 43% عن العام الماضي لتصل إلى 1.52 تريليون جنيه (81.6 مليار دولار) من أجل سد العجز في الموازنة المالية وسداد أقساط الديون، وفقاً لوزارة المالية المصرية.
  • 690.1 مليار جنيه (37.5 مليار دولار) تكلفة خدمة الدين أي 33.3% من إجمالي المصروفات (أكبر بند في المصروفات) بزيادة قدرها 19%، أو ما يوازي نصف الإيرادات.
  •  1.2 تريليون جنيه ما يعادل نحو 65.5 مليار دولار إيرادات ضريبية متوقعة، بزيادة نحو 19% أي 77% من إجمالي الإيرادات.
  • 965.5 مليار جنيه (52 مليار دولار) أقساط أصل الدين.

تصنيف مصر الائتماني يثير القلق

وقد انعكست الأرقام الاقتصادية السلبية على تصنيف مصر الائتماني، وباتت مهددة للمرة الأولى منذ عام 2013، بخفضه بعد أن غيرت وكالة "موديز" (Moody’s) النظرة المستقبلية إلى سلبية بدلا من مستقرة، رغم أنها ثبتت تصنيفها عند "بي 2" (B2) (تصنيف متدن يعني مخاطرة) محذرة من أن المزيد من الانخفاض في الاحتياطات الأجنبية لدى البنك المركزي قد يدفعها إلى خفض تصنيف البلاد للمرة الأولى منذ مارس/آذار 2013.