Morocco
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

شقير يبسط خلفيات تأجيل قانون منع التدخين في الأماكن العمومية

شقير يبسط خلفيات تأجيل قانون منع التدخين في الأماكن العمومية
صورة: أرشيف
هسبريس من الرباط

قال الباحث السياسي محمد شقير إن “قانون منع التدخين في الأماكن العمومية من بين أهم القوانين المغربية الملتصقة بشكل كبير بالصحة العمومية، من خلال حماية الأفراد من بعض أخطر الأمراض فتكا المتمثل في السرطان بمختلف أشكاله؛ وعلى رأسها سرطان الرئة”، مضيفا أنه “لم يتم تفعيل كل مقتضياته إلى حد الآن، أي بعد مرور أكثر من 30 سنة”.

وفصّل شقير، في مقال له بعنوان “تعميم قانون منع التدخين في الأماكن العمومية بالمغرب بين دوافع التفعيل وخلفيات التأجيل”، في مجموعة من النقط المرتبطة بـ”مقتضيات قانون منع التدخين في الأماكن العمومية، وتحديدا في الشق المرتبط بـ”التفعيل” و”التأجيل”، مسجلا “انتظار أن تسارع الحكومة إلى نفض الغبار عن قانون منع التدخين في الأماكن العمومية المصادق عليه بالإجماع في سنة 2008، والذي سبق أن قدمه الفريق الاستقلالي الذي يشكل حزبه أحد مكونات الحكومة الحالية”.

وهذا نص المقال:

يعتبر قانون منع التدخين في الأماكن العمومية ( 91/15)، المصادق عليه من طرف مجلس النواب في 29 أبريل 1991، من بين أهم القوانين المغربية الملتصقة بشكل كبير بالصحة العمومية من خلال حماية الأفراد من بعض أخطر الأمراض فتكا المتمثل في السرطان بمختلف أشكاله؛ وعلى رأسها سرطان الرئة، بالإضافة إلى أن هذا القانون يؤطر بشكل عميق مظاهر الحياة الاجتماعية اليومية المتمثلة في التفاعل مع التدخين الذي أصبح ظاهرة اجتماعية تكتسح مختلف المرافق العمومية والفضاءات المختلفة من مؤسسات إدارية ومستشفيات صحية عمومية وخاصة، ومؤسسات تعليمية عمومية وخاصة، ووسائل نقل عمومية وخاصة، وقاعات العروض العمومية والخاصة، بالإضافة إلى الشوارع والأزقة وغيرها من الفضاءات… لكن على الرغم من هذه المظاهر الشمولية لهذا القانون، فإنه لم يتم العمل على نشره بالجريدة الرسمية إلا بتاريخ 6 يونيو 1996، أي بعد أربع سنوات من المصادقة عليه من طرف البرلمان، وما زال لم يتم تفعيل كل مقتضياته إلى حد الآن أي بعد مرور أكثر من 30 سنة.

تفعيل مقتضيات قانون منع التدخين في الأماكن العمومية

يتضمن قانون منع التدخين في الأماكن العمومية مجموعة من المقتضيات التي لا تهم فقط منع التدخين في الأماكن العمومية، بل أيضا حظر الإشهار لمادة التبغ ومعاقبة مختلف أشكال الدعاية لها، وهو ما يعكس إرادة خفية في تعويم هذا المنع ضمن مقتضيات كان يمكن أن يخصص لها قانون خاص بها؛ لكن على الرغم من هذا التعويم المبيت، فقد نص هذا القانون في مادته الثانية على منع التدخين في أماكن عمومية حددها على سبيل المثال لا الحصر في “المكاتب الإدارية المشتركة وقاعات الاجتماعات بالإدارات العمومية وشبه العمومية والخاصة وكذا المستشفيات والمصحات ودور النقاهة والمراكز الصحية والمصالح الوقائية بجميع أصنافها، بالإضافة إلى منع التدخين في وسائل النقل العمومي باستثناء المناطق المخصصة للتدخين، وقاعات العروض الفنية من مسارح ودور السينما وأماكن إحياء السهرات وإلقاء الدروس والمحاضرات والندوات”.

وقد بدأ العمل بالتدريج على منع التدخين في بعض هذه المرافق، حيث اتخذ المكتب الوطني للسكك الحديدية مبادرة تعميم منع التدخين بعربات القطارات التابعة له بعدما كان يقوم بالسماح بالتدخين في بعضها؛ في حين منع التدخين في محطات المسافرين، خاصة التي أعيد تأهيلها وتجديدها مخصصا بعض الفضاءات داخلها للتدخين فيها. كما منع التدخين في المطارات وبالطائرات، في حين قامت بعض وسائل النقل العمومية من حافلات وغيرها بمنع التدخين بها؛ بينما بقيت وسائل النقل العمومي الصغير مرهونة بمزاجية سائقي الطاكسيات وردود فعل الزبناء. أما بالنسبة للإدارات العمومية وشبه العمومية فما زالت تتأرجح بين المنع المعلن والتدخين بشكل خفي. بينما لم تعلن الوزارة الوصية على قطاع الصحة، المعنية بالأساس بهذا القانون، مرافقها بدون تدخين إلا في سنة 2021؛ وذلك في إطار حملة توعية بمضار التدخين التي نظمتها ما بين 31 ماي و30 يونيو هذه السنة نفسها. من هنا، يبدو أن تفعيل مقتضيات هذا القانون كان بشكل تدريجي ومزاجي والذي ينعكس بجلاء من خلال ندرة الأحكام القضائية الصادرة بهذا المجال، إذ على الرغم من أن هذا القانون من خلال مادته 11 التي تنص على “أن كل شخص ضبط يدخن التبغ أو المواد المكونة له في الأماكن التي يمنع فيها ذلك، يعاقب بغرامة من 10 دراهم إلى 50 درهما” فلم يصدر إلى حد الآن أي حكم بهذا الصدد ولو على سبيل العبرة والاعتبار. وقد يفسر ذلك بعدم تقديم شكايات أو رفع دعاوى بهذا الشأن وعدم الوعي بخطورة هذا “الجرم الصحي” نتيجة لانخفاض عدد حملات التوعية والتحسيس التي نصت عليها المادة 10 من القانون والتي أكدت على “ضرورة أن تقوم الإدارة بتعاون مع المنظمات غير الحكومية بتنظيم حملات وقائية وإعلامية تستهدف توعية المواطنين بمضار التدخين”. فباستثناء بعض الحملات التي تقوم بها الوزارة الوصية على قطاع الصحة بمناسبة اليوم العالمي لمنع التدخين وبعض المناظرات الوطنية حول مضار التدخين، كالمناظرة الوطنية حول مضار التدخين التي نظمت في سنة 2013 بتعاون مع مؤسسة للا سلمى لمحاربة السرطان، فليس هناك أي اهتمام من طرف مختلف الإدارات سواء الصحية أو الترابية أو الإعلامية للتحسيس بخطورة هذه الظاهرة ومضار التدخين في الأماكن العمومية خاصة المقاهي.

تأجيل مقتضيات قانون منع التدخين في الأماكن العمومية

من اللافت للنظر بل من المستغرب أن تتغافل المادة الثانية في عرض الأماكن العمومية التي يمنع فيها التدخين التي ذكرتها على سبيل المثال لا الحصر عن الإشارة إلى المقاهي ضمن هذه الأماكن العمومية، على الرغم من ذكرها لدور السينما وقاعات العرض المختلفة؛ فإذا ما انطلقنا بحسن نية المشرع بصعوبة ذكر كل الأماكن والمرافق العمومية، فمن الصعب الاقتناع بإغفال ذكر فضاء عمومي أساسي يرتاده المغاربة بشكل يومي ويدخل في صميم حياتهم الاجتماعية وثقافتهم الجماعية. فإذا كان ارتياد مختلف المؤسسات الإدارية والمستشفيات الصحية والتعليمية بل وصالات العرض يكون بشكل ظرفي أو استثنائي تقتضيه ضرورة قضاء أغراض إدارية والحصول على خدمات مؤقتة، فإن ارتياد المقاهي والجلوس لفترات طويلة سواء لارتشاف قهوة الصباح أو المساء أو في أي وقت من النهار، أو لتجاذب أطراف الحديث أو للتفرج الجماعي في مباريات كرة القدم طيلة أيام الأسبوع كان يقتضي أن يتم ذكر المقاهي ضمن القائمة الأولى التي وردت في هذه المادة من القانون. مما يثير التساؤل عن دور جهات خاصة، والتي يمكن أن تتمثل في شركات التبغ ولوبيات أرباب المقاهي بقوتها العددية والمالية والاقتصادية، في الضغط بقوة كي لا يتم التنصيص على ذكر المقاهي ضمن الأماكن العمومية المشمولة بهذا القانون. ولعل ما يعزز هذا المعطى هو أنه لأكثر من 30 سنة على تنفيذ مقتضيات هذا القانون، فلم يتم إلى حد الآن تفعيل مقتضيات المادة الخامسة من هذا القانون التي تنص على “أنه علاوة على الأماكن الوارد ذكرها في المادة الرابعة يمكن للإدارة أن تقرر منع التدخين بأماكن ومرافق أخرى إذا اقتضت الظروف الصحية ذلك”. فإذا كان التنصيص على هذه المادة يؤكد بجلاء الهروب للأمام الذي نهجه المشرع، لكي لا يتم ذكر أماكن عمومية أخرى كالمقاهي والمطاعم ويترك الحرية الكاملة لتهرب أرباب المقاهي من الخضوع لهذا القانون، فقد ظهر أيضا أنه لم يتم تحديد هوية الإدارة التي ستقوم وفق المادة 5 باتخاذ قرار منع التدخين في “أماكن ومرافق أخرى” هل هي مصالح وزارة الداخلية التي تمنح رخص فتح المقاهي والمطاعم أو الجماعات المحلية التي تحصل ضرائب من هذه المحلات، أو المصالح الطبية التابعة لهذه الوزارات من عمالات ومراكز طبية أم وزارة الصحة التي أشارت إليها هذه المادة من خلال “اشتراط الظروف الصحية”؛ لكن كيفما كان الحال فقد بقيت مقتضيات هذه المادة غير مفعلة على الرغم من كل الظروف الصحية المستجدة والتي أثبتت أن مضار التدخين لا تشمل فقط المدخنين المباشرين بل أيضا ما سمته بالمدخنين السلبيين. وبهذا الصدد، فقد أكد الطبيب فؤاد بن علو، المختص في التربية الصحية، “أن منع التدخين في الفضاءات العمومية بات مطلوبا بشكل كبير نظرا لما تخلفه هذه الآفة من أضرار صحية وجسدية على المدخن وعلى المحيطين الذين يعتبرون مدخنين سلبيين”. ولعل هذا ما أكده تقرير لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، الذي اعتبر أن 35 في المائة من الساكنة بالمغرب يتعرضون للتدخين غير المباشر. ومما يزيد من تأكيد وجود لوبي ضاغط داخل مؤسستي البرلمان والحكومة هو تجميد مقترح قانون تقدم به الفريق الاستقلالي في سنة 2007 يتجاوب مع الظروف الصحية المستجدة التي عرفتها المملكة، والذي تم التنصيص في مادته الرابعة على إضافة كل من “أماكن الاستراحة والساحات الداخلية للمؤسسات التعليمية والمقاهي والمطاعم التي تقل مساحتها الاجمالية عن 50 مترا مربعا” إلى الفضاءات العمومية التي يمنع فيها التدخين “بصفة مطلقة”. مشيرا في المادة الرابعة مكرر إلى إمكانية تخصيص “المقاهي التي تزيد مساحتها عن 50 مترا مربعا نصف مساحتها الإجمالية لغير المدخنين حيث تكون هذه الأمكنة معزولة وبشروط تهوية صحية تحدد مواصفاتها بقرار السلطة المكلفة بالصحة العمومية”. كما رفع هذا المقترح من قيمة الغرامات التي يعاقب بها المخالفون من “100 درهم إلى 200 درهم في حالة العود وإلى 500 درهم إذا كان المخالف مسؤولا عن محل المخالفة”؛ لكن رغم المصادقة بالإجماع على هذا المقترح في 23 يوليوز 2008، فلم يتم إخراجه إلى حيز التطبيق في ضرب صارخ للمؤسسة التشريعية وهيبتها السياسية. وقد أعاد الفريق الاشتراكي الكرة من خلال تقديم مقترح قانون بهذا الشأن في سنة 2013 ينص على إضافة بعض الأماكن الأخرى التي يقترح منع التدخين فيها من (مصاعد، ومنشآت صناعية ومراكز التسويق التجاري، وأندية رياضية، ومطاعم ومقاه وكل الأماكن التي تباع فيها المأكولات والمشروبات…مع تشديد العقوبة على المخالفين برفع قيمة الغرامات من 500 درهم إلى ألف درهم”. لكن هذا المقترح استبعد من طرحه للنقاش من طرف الحكومة و”تم إقباره بعد تحرك لوبيات شركات التبغ داخل المؤسسة التشريعية “وبمساندة خفية من لوبيات أرباب المقاهي والمطاعم. من هنا، يطرح تساؤل عريض حول إلى أي حد يمكن لدولة حركت مؤسساتها العسكرية والإدارية والصحية لمواجهة تداعيات وباء عالمي لم يفتك إلى حد الآن سوى بـ16 ألفا من ساكنة المغرب طيلة أكثر من سنتين في الوقت الذي يودي التدخين بحوالي 17 ألفا سنويا. بل لقد قدرت دراسة أنجزتها وزارة الصحة بالمغرب بأن العدد قد يصل إلى 60 ألفا في السنة، وما زالت لم تمتلك الإرادة السياسية الحاسمة لكي تحمي مواطنيها من هذا الوباء اليومي المنتشر في مختلف الأماكن والفضاءات العمومية وخاصة بالمقاهي بمختلف أشكالها وأحجامها، وما زالت رهينة لابتزاز وضغوط لوبيات التبغ التي على الرغم من تفويتها للقطاع الخاص الأجنبي، فما زالت تخضع لقوته المالية بدليل عدم اتخاذ أي إجراءات صارمة على غرار كل الدول الأوروبية وحتى العربية والإسلامية كتركيا والإمارات العربية المتحدة والسعودية ولبنان ومصر وقطر… التي منعت التدخين في كل الأماكن العمومية وبالأخص في المقاهي والمطاعم، إذ ما زالت المملكة المغربية التي كانت سباقة إلى إصدار قانون منع التدخين في الأماكن العمومية في المنطقة العربية والمتوسطية تعتبر من ضمن الدول الأكثر استهلاكا لكل أنواع التبغ بما فيها السجائر المهربة والسجائر الإلكترونية بالإضافة إلى الشيشة. وتنتشر آفة التدخين بين صفوف كل الأوساط العمرية، خاصة فئات الشباب بمختلف المستويات الاجتماعية التي يمكن أن تقتني سجائر عبر ما يسمى بالتقسيط (أو الديطاي) الذي يعتبر نظاما في بيع السجائر خاصا بالأساس بالمغرب. في حين انتشرت هذه العادة المميتة بين صفوف حتى النساء بمختلف الأعمار، بعدما كان التدخين مقتصرا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي على فئات خاصة من النساء بحكم طابوهات المجتمع آنذاك. ولعل هذا ما يجعل النساء المدخنات في المغرب ورغم ادعاء التحرر يفضلن التدخين في طوابق المقاهي أو الأماكن الخلفية فيها مع ما ينجم عن ذلك من مضار تمس بأنوتثهن بعدما تتحول أصواتهن إلى أصوات خشنة وذكورية، وبمظاهر جمالهن بعدما يعلو اصفرار دخان السجائر أسنانهن وشفاههن وبصحتهن بعدما يتعرضن إلى مختلف أنواع السرطانات التي تصيب أجسادهن وكذا محيطهن إذا كان لديهن رضع أو أطفال.

وفي انتظار أن تسارع حكومة عزيز أخنوش إلى نفض الغبار عن قانون منع التدخين في الأماكن العمومية المصادق عليه بالإجماع في سنة 2008 والذي سبق أن قدمه الفريق الاستقلالي الذي يشكل حزبه أحد مكونات الحكومة الحالية، يمكن لأرباب المقاهي في خطوة استباقية وضمن ثقافة المقاولة المواطنة أن يشرعوا في اتخاذ تدابير تهم إما منع التدخين بشكل مطلق داخل المقاهي أو تخصيص حيز من هذه المحلات لغير المدخنين من الزبناء حماية لهم من كل الأضرار التي يسببها دخان الزبناء المدخنين. في حين يمكن لبعض فعاليات المجتمع المدني بمساعدة من السلطات المحلية أن تنظم حملات متواصلة للتوعية بمخاطر التدخين بالمقاهي تحت شعارات معبئة (سيجارتك تقتلك وتميتني، سيجارتك انتحار لك وهلاك لي، دخان سيجارتك خطر على صحتي…. إلى غير ذلك من الشعارات) كما يمكن للإذاعات المحلية والقنوات الوطنية وشبكات التواصل الاجتماعي أن تنسق من أجل التوعية بمخاطر التدخين بالمقاهي وما يسببه من إزعاج لغير المدخنين وما ينجم عن ذلك من احتكاكات بين الزبناء التي قد تبدأ بمشادات كلامية لتنتهي بتبادل السب وربما اللكمات لتتحول إلى نزاعات أمام مراكز الشرطة وردهات المحاكم.

الأماكن العمومية السرطان قانون منع التدخين محمد شقير
تابعوا آخر الأخبار من هسبريس على Google News

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا