Morocco
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

أساتذة الثانوي التأهيلي .. الخروج بخفي حنين

أساتذة الثانوي التأهيلي .. الخروج بخفي حنين

بقلم: ذ. عزيز لعويسي

لابد من الاعتراف بداية، أن أطر التدريس بكل فئاتهم، لم يحصدوا ما كانوا ينتظرونه من النظام الأساسي الجديد، مقارنة مع هيئات وفئات أخــرى، نالت نصيبها، بدرجات ومستويات مختلفة، من التعويضات التكميلية، التي أقفل بابها كاملا أمام المدرسين بشكل عصي على الفهم والإدراك، لكن إذا أردنا، قياس درجات الإحباط ما لم نقل الخسارة في أوساط أطر التدريس، فلن نتردد في الإشارة إلى أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، الذين خرجوا بخفي حنين، وبدون أي اعتراف يذكر، بخلاف نظرائهم في السلكين الابتدائي والإعدادي، الذين على الأقل، فتحت أمامهم “الإمكانية ” للمرور إلى خارج السلم، ولتغيير الإطار بالنسبة لحاملي الشهادات؛

ومكسب خارج السلم، رغم ما رافقه ويرافقه من جدل ومؤاخذات مشروعة من جانب الزملاء في الابتدائي والإعدادي، معناه أن ملف هاتين الفئتين، كان إحدى الملفات التي رافعت عنها النقابات في حواراتها المارطونية مع الوزارة الوصية على القطاع، مقارنه مع ملف أساتذة الثانوي التأهيلي، الذي على ما يبدو، لم يجد من يدافع عنه ويفرضه على طاولة الحوار والنقــاش، ولم يكن يشكل أولوية، بالنسبة للرباعي النقابي الذي قاد الحوار القطاعي لما يقارب السنتين، والنتيجة “زيرو مكاسب ” و”زيرو تعويضات”، في الوقت الذي كان يفترض فيه، تقدير هذه الفئة وتثمين ما تضطلع به مهام وأعباء، كقناة محوريـة رابطة بين التعليمين “المدرسي” و”العالي”، وما تتحمله من مسؤوليات، بمناسبة الاستحقاقات المرتبطة بالامتحان الموحد للباكالوريا، بشقيه الوطني والجهوي؛

وكم هو مؤسف، أن يمر واضعو المرسوم المؤطر للنظام الأساسي الجديد، على فئة “الثانوي التأهيلي” مرور الكرام، وكأنها غير موجودة في النسق التعليمي، عدا ما تم تحميله لها، على غرار باقي أطر التدريس، من مهام ثقيلة، تكرس مفهوم “المدرس السوبرمان”، ومن عقوبات تأديبية، يصعب فهمها أو استيعابها، إلا داخل قاموس “التحكم” و”الوعيد” و”التهديد” و”العقاب”؛

وإذا نظم أساتذة الثانوي التأهيلي أنفسهم داخل تنسيقية خاصة بهم، إلى جانب تنسيقيات فئوية أخرى، واختاروا مكرهين الانخراط فيما تشهده الساحة التعليمية من زخم نضالي غير مسبوق، فلإسماع الصوت ورفع المطالب المشروعة، بعدما غابت أو تم تغييب قضيتهم بقصد أو بدونه، في نظام أساسي كان يفترض أن يكــون منصفا، ومعبرا عن تطلعات كل الفئات بدون إقصاء أو تجاوز أو تهميش، من باب الإسهام في إرساء بيئة آمنة ومستقرة، تتيح فرص تنزيل ما تم وضعه من مشاريع ورؤى إصلاحية؛

وبما أننا ننتمي إلى هذه الفئة المحورية، فنحن أقرب إلى همومها ومشكلاتها، بل ونعيش هذه الهموم والمشكلات يوما بعد يوم، ويكفي الإشارة في هذا الإطار على سبيل المثال لا الحصر، إلى ما تتحمله هذه الفئة من صعوبات في التأطير والدعم والمواكبة والضبط، بالنظر إلى الخصوصيات العمرية والنفسية للفئات المستهدفة، خصوصا في ظل معضلة الاكتظاظ التي باتت لا تطاق، بكل ما تحمله من إرهاق جسدي ونفسي؛

ومن إكراهات مرتبطة بتدني المستويات المعرفية والإدراكية لشرائح واسعة من التلاميذ، وطول المقررات الدراسية، خاصة بالنسبة للمستويات الإشهادية، وما يرافق ذلك، من تداعيات صحية، تتنوع بين التوتر والقلق والضغط وأمراض أخرى ما ظهر منها وما بطن، أخذا بعين الاعتبار، ارتقاع منسوب السلوكات اللامدنية داخل معظم ما لم نقل كل المؤسسات الثانوية التأهيلية، وما يرتبط بها من عبث وتهور واتكالية وانعدام المسؤولية، واتساع دائرة العنف المدرسي، دون إعفال المتاعب ذات الصلة باستحقاقات امتحان الباكالوريا، على مستوى الحراسة التي باتت جحيما، في ظل شيوع ثقافة الغش المدرسي، وما بات يرتبط بها من تهديد وعنف، والتصحيح، الذي لايمكن البتة، إغفال تأثيراته الصحية والنفسية، في غياب أدنى شروط التحفيز، إلى درجة أن الأساتذة باتوا يقبلون على هذا الإجراء السنوي، بنوع من القلق واليأس والإحباط، وبعضهم لا يتردد في خلق بعض الأعذار، حتى لا ينخرط في عملية، لا يجني منها إلا العناء والمتاعب والإرهاق، وحتى التعويضات “البئيسة” المرتبطة بها، لا يتلقاها إلا بعد أشهر؛

ونحن نخصص هذا المقال لأساتذة الثانوي التأهيلي، نذكر مرة أخرى، أن هذا الاختيار، ليس تكريسا للفئوية، ولا انتصارا لفئة دون أخرى، فنحن على يقين تام، أن أطر التدريس بكل فئاتهم من “ابتدائي” و”إعدادي” و”تأهيلي”، يمارسون مهامهم بصبر وتحمل، وفي كثير من الأحيان في ظروف وبيئات بعيدة عن التحفيز، ويكفي قولا أن الأستاذ/ة يشتغل في أقسام مكتظة تفوق ساكنتها الأربعين تلميذا في القسم ما لم نقل الخمسين، بكل ما لذلك من تبعات جسدية وصحية ونفسية، غائبة بالمطلق عن النقاش العمومي وحتى في ملفات النقابات، ويصحح جيشا عرمرما من الأوراق طيلة الموسم الدراسي، ويضطر في حالات كثيرة أن يصرف من ماله الخاص، على مستوى “النسخ” و”شراء الأقلام”، و”التنقل” في إطار مهام الحراسة والتصحيح والمداولات، لتيسير عمله، ويشتغل في العمل وفي البيت، ويقضي ساعات طوال في البحث والإعداد والبحث والتصحيح، ويمارس رسالته النبيلة في بيئات صعبة ما لم نقل قاسيـة، ويشتغل ساعات تتجاوز عتبة الثلاثين ساعة أسبوعيا خاصة بالنسبة للسلك الابتدائي، أخذا بعين الاعتبار، أن تدريس “ساعة واحدة” داخل فصل دراسي مكتظ، بصخبه وشغبه وتناقضاته ومشاكله الصحية والنفسية، لايمكن البتة، أن تقاس بساعة بل وبساعات يقضيها موظف عمومي داخل مكتب مكيف، بعيدا عن أجواء القلق والتوتر والضغط، ويتحمل مهام وأعباء الامتحانات الإشهادية وما يرتبط بها من حراسة وتصحيح، ويساهم في حدود ماهو متاح من الوقت، في تنشيط الحياة المدرسية، وغير ذلك من المهام والأعباء، فضلا أنه يبقى عرضة على الدوام لخطر التهديد والعنف بكل مستوياته، في ظل شيوع ثقافة العبث وتدني منسوب القيم الوطنية والدينية والاجتماعية، في أوساط شرائح واسعة من التلاميذ، وكل ذلك، في غياب الحماية القانونية اللازمة، والمواكبة النفسية والصحية الضرورية؛

وإذا أجمع أطر التدريس على رفض النظام الأساسي الجديد، وعبروا عن ذلك عبر إضرابات تجاوزت عتبة التسعين بالمائة، فلأن واضعو هذا النظام، لم يكونوا في موعد هذه المحطة الاستثنائية، ولم يستحضروا تداعيات ما نزلوه من مقتضيات، عجلت بإشعاع فتيل الاحتقان، وأدخلت المدرسة العمومية في حالة من الشلل غير المسبوق، لأنهم راهنوا على توجهات وربما على نوايا “غير بريئة”، غيبت “الكرامة” التي يناضل من أجلها نساء ورجال التعليم، ولم يخسروا فقط، الرهان كاملا، بل وأدخلوا البلد إلى حالة غير مقبولة من التوتر والاحتقان، بكل ما لذلك، من تبعات تربوية وتعليمية وأمنية وحقوقية وتنموية وإشعاعية…

وعليه، واستحضارا لما للاحتقان الجاري، من آثار مدرسية وتربوية، ومن تداعيات على النظام العام، فالوزارة الوصية على القطاع ومن خلالها الحكومة برمتها، لابد أن تقوم بخطوة أو مبادرة، من شأنها الإسهام في تطويق الأزمة الآخذة في التمدد والانتشار، عبر سحب وإعادة وضع المرسوم المثير للجدل على طاولة الحوار المسؤول والتفاوض البناء، لتجاوز ما تخلله من قصور وهفوات، ومن ظلم واضح للعيان، طال أطر التدريس بكل فئاتهم وفي مقدمتهم “أساتذة الثانوي التأهيلي”، بما يرتقي بمهنة التدريس ويرفع من جاذبيتها، على الأقل، مناصفة مع مهن ووظائف أخرى، ويمكن الأساتذة، مما يتطلعون إليه، من كرامة واعتبار، ولا جاذبية ولا كرامة ولا اعتبار، إلا “بأجور محترمة حافظة للكرامة”، و”تعويضات مشجعـة”، و”بنيات استقبال لائقة” و”ظروف عمل محفـزة” على مستوى الوسائل والمهام وساعات العمل، و”مناهج وبرامج دراسية عصرية”، تقطع مع الكم المكرس للرتابة، وتستحضر ما وصل إليه العالم من طفرة إعلامية وتواصلية هائلة، ومن جنوح صامت نحو الذكاء الاصطناعي، وما يفرضه من تحديات على المدرسة العمومية”؛

وتبقى الغاية المثلى، خدمة المدرسة العمومية وإعادة الاعتبار للمدرس باعتباره محرك الإصلاح وأساسه، وإرساء بيئة آمنة للإصلاح، وقبل هذا وذاك، صون ما ننعم به من أمن واستقرار وطمأنينة، في سياق جيوسياسي إقليمي ودولي مضطرب، على أمل أن تحضر الحكمة والرصانة من جانب الحكومة ورئيسها، من أجل تدبير أمثل لملف مهني بأبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية وتنموية واستراتيجية، يرتبط بقضية، تحتل مكانة رفيعة لدى المغاربة قاطبة، وفي طليعتهم جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي ارتقى بالتعليم إلى مستوى القضية الوطنية الأولى، بعد قضية الوحدة الترابية للمملكة، على أمل أن تكون الحكومة – من باب التضامن الحكومي – عند حسن ظن الشغيلة التعليمية، باستعجال تقديم الحلول القانونية والتحفيزية، التي من شأنها منح المرسوم الجدلي، ما ينقصه من تصويب وتجويد، وتنزيل مراسيم وقرارات تنظيمية موازية محفزة، انسجاما والعناية الموصولة، التي ما فتئ يوليها عاهل البـلاد أيده الله، للتعليم ونسائه ورجاله، باعتباره قاطرة للتنمية الشاملة، وصانعا للقيم الوطنية والدينية والاجتماعية، وضامنا لوحدة الأمة وأمنها واستقرارها وتقدمها وازدهارها، ونذكر في خاتمة المقال، أن المسألة التعليمية، ليست قضية وزير أو رئيس حكومة، أو حتى تحالف حكومي، هي قضية استراتيجية بالنسبة للدولة والوطن، ولابد أن تتعامل معها الحكومة، بما يليق بها من احترام والتزام واعتبار وتبصـر…