UAE
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

قوة الشرائع صمام الأمان

حققت الدراسات الإنسانية والاجتماعية في شتى مناحيها إثباتاتٍ واضحةً حول حاجة الإنسان للالتزام الأخلاقي، والرصيد القيمي الذي يساعده على أداء واجباته، والحصول على حقوقه دونما إفراط أو تفريط. وبالعودة لكتب التاريخ وملامح الحضارات الغابرة، نجد أن للأخلاق سبلاً متعددة عاش الناس فيها ومن خلالها آنذاك، فتشكلت ملامحُ تلك المنظومة الأخلاقية بحسب موروث ثقافي من جهة وظرفية أحداث متغيرة من جهة ثانية، إلى جانب التأثيرات وأنماط «الاندماج السلوكي» الذي حمل معه اندماجاً وتشاركيةً في القيم الموجودة آنذاك. وقد ظلت تلك المحدداتُ والعواملُ تلعب دوراً في تشكيل هيئتها. وبالرغم مما حصده الإنسان من جدوى قيمية ملموسة من السلوك المشبع بعادات وتقاليد لا يمكن خرقها، فإن هناك مساحة «تشريعية» بقيت خاوية قبل نزول الأديان السماوية. 
وبإشارة لطيفة، نرى أن «الأخلاق الموروثة» شكلت جزءاً لا يمكن استثناؤه من المنظومة القيمية لدى المجتمعات الإنسانية على اختلافها، لكنها لا تعد كافيةً إلا إذا ارتبطت بـ«غطاء تشريعي قوي». وهنا يقف الإنسان بين إلزامية الطاعة لله عز وجل (إذ الأخلاق أساس وعماد للإيمان) وبين الإلزامية القانونية التي تسنها السلطة باعتبارها المسؤول عن تنظيم المجتمع تنظيماً يكفل كرامتَه وينهض به ويدرأ عنه المخاطر. ولا نجد هنا تضارباً ولا تناقضاً، إذ في الوقت الذي أسس فيه الدينُ قواعدَ أخلاق، جاءت ترجمتُها وتفصيلها في القانون الوضعي، وبالتالي فهي علاقة تناغم وتلاقي. لكن، وبعد أن نزلت الديانات السماوية، وبذل الإنسانُ ما بذل من أجل تنظيم قواعد تشريعية وقوانين وضعية، ما يزال الإنسان مستمراً في «التمادي اللاأخلاقي».. فكيف يمكن تبرير ذلك؟ 
إن الوعي الناضج بمكنون الشرائع، وما نصت عليه الأديانُ السماوية من تأسيس أخلاقي عريض، وما أتبعه الإنسانُ من جهد تنظيمي في رسم استراتيجية «قوانين» متناغمة مع التشريع السماوي، ومعينة على استيعاب مستجدات الواقع استيعاباً صحيحاً لا ينقصه إلا صناعة «التوازن الذهني» لدى الأفراد بين النص الشرعي والقانون الوضعي في موضوع الأخلاق وما سواها، لا سيما أن معظم الخروقات القيمية والتشوهات الأخلاقية والانحدارات السلوكية تنبع من هشاشة معرفية، وضبابية فهم متعلقة بالتشريعات، السماوية والوضعية معاً. 
إن الارتكاز على «الإلزامية التشريعية» الدينية كمصدر قوة في الحفاظ على سلامة المعادلة الأخلاقية لا يبتعد كثيراً عن كونه «ماء الحياة» للجسد القيمي وبنائه السليم، والقانون الوضعي المرسوم على ذات الخطى هو في الحقيقة صمام أمان، ومنظم متناسق للسلوك الصادر عن التأسيس الأخلاقي الديني، ففي قول النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: «لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ.. إلا بالتَّقوَى. النَّاسُ من آدمُ، وآدمُ من ترابٍ»، نجد أن القانون يبدد ملامح التفرقة والتمييز في مختلف صورها، وبالتالي فإن سريان التشريع الديني بالتوازي مع القانون الوضعي هو استيعاب للاختلاف العقدي في المجتمعات ومحاولة بناء «مشترك أخلاقي» دون التطويع القسري لديانة أو عرق أو ثقافة.. والتقدم نحو حل لغز مشروع شَكَّل «هماً إنسانياً» كبيراً يتمثل في بناء الوعي العام، والوعي الأخلاقي بشكل خاص. 

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة