Morocco
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

الحر: تعديل مدونة الأسرة يقتضي التشبث بالهوية المغربية والإسلام المنفتح

على بُعد بضعة أيام من انطلاق عمل اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة، يعبّر قسم من المغاربة عن رفضهم للتعديل، بداعي أنه يأتي استجابة لـ”الإملاءات الغربية”؛ في حين يرى آخرون أن إضفاء مزيد من التحديث على المدونة سيفضي إلى “تشتيت الأسرة المغربية”، معللين موقفهم بارتفاع نسبة الطلاق منذ إقرار الطلاق للشقاق الذي يخول للمرأة الطلاق من زوجها.

في هذا الحوار، نسائل زهور الحر، عضو اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية وقاضية ورئيسة سابقة لمحكمة الأسرة وعضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومحامية حاليا، حول مختلف الهواجس التي يعبّر عنها المغاربة بشأن مدونة الأسرة.

وتخلص الحر، في هذا الحوار، إلى أن تعديل المدونة يجب أن يتم “في إطار هويتنا وفي إطار ديننا؛ ولكن بشكل حداثي ومتحضر يضمن العدل والإنصاف لجميع أفراد الأسرة، لأن هناك بعض الآراء الفقهية أصبحت متجاوزة ولا بد من الاجتهاد لإيجاد حلول ملائمة لعصرنا وواقعنا”.

بداية، ما هي دواعي تعديل مدونة الأسرة؟

ما ينبغي التأكيد عليه هو أن مدونة الأسرة ليست وحدها التي تستدعي التعديل والتغيير؛ بل إن هناك عددا من النصوص القانونية تتطلب بدورها التعديل مثل القانون الجنائي، والمدني، وقانون الكفالة، وقانون الحالة المدنية، وقانون الجنسية…

هذه القوانين كلها بحاجة الى تعديلات وإصلاح؛ لأن المجتمع يتطور ويتغير، ومجتمعنا اليوم ليس هو نفس المجتمع لما قبل عشرين عاما، تاريخ الشروع في تطبيق مدونة الأسرة الحالية.

ثمة سبب آخر يدعو إلى إصلاح مدونة الأسرة، وهو أن الظروف التي جرى فيها إصلاح مدونة الأحوال الشخصية كان فيها شد وجذب قوي بين المؤيدين والمعارضين للتعديل، وكان هناك نقاش وتقاطب حاد جدا، وفي أحيان كادت الأمور أن تخرج عن السيطرة، ولولا تدخل جلالة الملك وإسناد الأمر إلى اللجنة الملكية المكلفة بالمراجعة ما كان تعديل المدونة ليتم.

ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أنه، وبالرغم من التدخل الملكي، فإن هناك أمورا طُرحت ولكننا لم نتمكن من بلورتها؛ لأن اللجنة التي كنت عضوا فيها كانت مشكلة من اثني عشر فقيها وعالما وثلاث نساء فقط.. وللأسف، جميع الفقهاء الذين كانوا أعضاء اللجنة لم يكونوا فقهاء متنورين وواعين وملمين بالواقع.

هؤلاء الفقهاء وجدوا حلولا للمشاكل المطروحة في زمانهم؛ ولكن هناك مشاكل مستجدة في واقعنا الراهن ينبغي إيجاد حلول لها، دون المساس بجوهر الشريعة الإسلامية، لأن المجتمع يتغير بوتيرة مذهلة ويشهد تحولات كبيرة. لذلك، يجب أن تتطور القوانين المنظمة للعلاقات داخل المجتمع والأسرة حسب تطور المجتمع.

ومن خلال تطبيق المدونة وتنزيلها على أرض الواقع، ظهرت ثغرات واختلالات وبعض التناقضات التي لا تتماشى مع الشريعة الإسلامية.. أنا مسلمة ومغربية وقرأت ما تيسر من الشريعة، ووجدت أنها (الشريعة) لا تتضمن أمورا لا توجد لها حلول؛ بل بالعكس فديننا دين يُسر وليس دين عسر.

هل ترون أن الظروف حاليا أضحت ملائمة لتطوير التصورات التي لم يُسعف مناخ 2003 في بلورتها؟

أرى أن المناخ الحالي سيكون مساعدا؛ وانطلاقا من كوني ممارسة في ميدان القضاء كقاضية رئيسة محكمة أسرة سابقا، ومحامية حاليا، وبحكم كوني عضوا سابقا في اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأحوال الشخصية، لامست بعض الثغرات التي تستدعي الإصلاح.

على سبيل المثال، زواج القاصر؛ أعتقد أن الطفلة البالغة من العمر أقل من ثماني عشرة سنة ليست مؤهلة لتحمل مسؤولية تكوين أسرة، ومكانُها هو المدرسة أو معهد للتكوين المهني.
هناك أيضا نصوص في مدونة الأسرة تثير صعوبات في التطبيق، وهو ما يجعل إصلاح المدونة ضروريا وواجبا؛ من قبيل اقتسام الأموال المكتسبة إبان العلاقة الزوجية، حيث وجدنا أن الزوجة تشارك في الإنفاق، وتساهم ماديا، إذا كانت تعمل، كما أنها تتحمل مسؤولية تدبير البيت وتربية الأبناء… ولكن جميع ممتلكات الأسرة تكون مكتوبة باسم الزوج، وعندما يقع الطلاق تُحرم من حقها.

المادة التاسعة والأربعون من مدونة الأسرة تطرقت إلى هذه المسألة؛ ولكنها ليست واضحة لكي يتم تطبيقها بشكل جيد من طرف القضاة.

وحتى من الناحية الشرعية، فقد أوجد الفقهاء المغاربة حلا لهذه المسألة، وهناك ما يعرف بـ”الكد والسعاية”، الذي يعطي الحق للمرأة في ما كدت وساهمت في جمعه من مال خلال العلاقة الزوجية، إذا وقع الطلاق.

هناك أيضا مشكل زواج الحاضن؛ فبعد الطلاق تكون الحضانة للمرأة، ولكن إذا بلغ الطفل سبع سنوات وتزوجت، تُنزع منها حضانة طفلها، وهذا ليس من مصلحة الطفل.

من دواعي تعديل مدونة الأسرة أيضا مسألة النسب، وهذه نقطة مهمة جدا، حيث إن هناك عددا من الأطفال آباؤهم معروفون، وفحص الحمض النووي ADN يثبت ذلك؛ غير أنه لا يؤخذ بها.

لا أفهم بأي منطق يتم الإقرار بوجود البنوة، بيولوجيا؛ ولكن لا يتم إلحاق نسب الطفل بأبيه إذا أنكر أنه والده.

هناك من يرى أن إضفاء مزيد من “الحداثة” على مدونة الأسرة سيؤدي إلى ضرب مبادئ الدين الإسلامي؟

ليس هناك مبرر للتخوف من الخروج عن مبادئ الدين الإسلامي؛ لأن فقهاءنا وعلماءنا بمقدورهم أن يجتهدوا وإيجاد حل لأي مشكل.

وهنا، أعود إلى مسألة النسب لأشير إلى أن القضاة لا يأخذون حتى بالخبرة الجينية، على الرغم من أنها دقيقة جدا في تحديد نسب الطفل، بداعي أن الطفل لم يولد من علاقة شرعية.. وأقول إن الطفل يجب أن يتمتع بنسبه، سواء كان من علاقة شرعية أو غير شرعية؛ حتى يتحمل أبوه البيولوجي مسؤوليته، عوض تحميل المسؤولية للأم وحدها.

مسألة التعصيب على البنات أيضا تطرح مشكلا كبيرا، حيث رأينا كيف تم إخراج بنات من بيوت أسرهن بعد وفاة آبائهن، حيث يتدخل أقارب الأب للمطالب بنصيبهم من الإرث ويبيعون البيت، وهذه المسألة تتطلب إعادة النظر.

أنا إنسانة معتدلة، وأقول إن المسائل التي فيها نصوص قطعية لا ينبغي الخوض فيها في الوقت الراهن، وجلالة الملك أكد أنه لن يحلل حراما ولن يحرم حلالا.

ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الناس يخوضون في أمور دون أن يكونوا ملمين بها؛ ففي مسألة القسمة في الإرث مثلا، ترث المرأة أكثر من الرجل في حالات كثيرة، وهم لا يعرفون ذلك، ثم إذا كان الرجل يرث أكثر من المرأة فلأنه مكلف بالإنفاق عليها… أي أننا إزاء منظومة ينبغي الإحاطة بجميع جوانبها.

العديد من المغاربة يربطون استفحال الطلاق بمدونة الأسرة، ما ردكم على ذلك؟

الطلاق للشقاق الذي جاءت به المدونة، والذي أصبح يلجأ إليه كل من هب ودب، كان يقوم على مسطرة الصلح، وهو ما يؤكده التنصيص عليه في ثلاثة فصول؛ أي أن على القاضي قبل أن يحكم بالطلاق، يجب عليه أن يطبق مسطرة الصلح، وأن يتم ذلك وفق عدد من الشروط، مثل أن يتم في غرفة سرية، وأن تُستدعى إليه الأطراف، وأن يكون هناك حكم من أهله وحكم من أهلها… ولكن هذه العملية للأسف فشلت في المحاكم.

بمعنى أن النص وُضع دون توفير شروط تطبيقه؟

نعم، المشكل في التنزيل؛ لأن القاضي لا يملك تقنيات وآليات الصلح. القاضي يطبق القانون ولا وقت لديه لتطبيق شروط الصلح، نظرا لكثرة الملفات التي ينظر فيها كل يوم.

الصلح والوساطة فن وعلم يدرس في الجامعات، ونحن نقترح أن يتم نزع آلية الصلح من القاضي وأن تتم خارج المحكمة؛ وذلك عن طريق مراكز أو مكاتب خاصة، لا سيما أن الإنسان عندما يدخل إلى المحكمة تكون درجة قابليته للصلح جد ضعيفة، وكل طرف يسعى إلى الانتصار على الطرف الآخر بأية طريقة.

إذن، يمكن القول إن الانطباع السائد لدى قسم من المغاربة على أن المدونة ساهمت في تفشي نسبة الطلاق صحيح؟

نعم، يمكن أن نتفق مع هذا الطرح. في المدونة هناك اثنا عشر سببا للطلاق والتطليق؛ ولكن حاليا يتم اللجوء في الغالب إلى الطلاق للشقاق والطلاق الاتفاقي؛ يأتي الزوج والزوجة إلى المحكمة، وفي اليوم نفسه يتم الطلاق، وهذا غير معقول.

المشكل، إذن، يكمن في تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة المتعلقة بالطلاق؛ وليس في المقتضيات في حد ذاتها. لذلك، فالمهم ليس هو إعداد القوانين وجعلها حداثية؛ بل توفير الآليات والأدوات والموارد البشرية الكفيلة بتطبيق هذه القوانين.

الطلاق للشقاق جاء لإنصاف المرأة التي تريد حقا الطلاق، ولم تكن تستطيع ذلك قبل تطبيق مدونة الأسرة الحالية؛ ولكن ينبغي الإقرار بأن الطلاق لا ينبغي أن يتم بالشكل الذي يتم به حاليا، ولا بد أن يتم تأطيره بقواعد لمنع استفحاله، وإلا فإنه سيؤدي إلى تشتت الأسرة المغربية، وسنتحول إلى مجتمع ينتفي فيه التضامن وتتقوض فيه الروابط الاجتماعية وتنهار أسس الأسرة، وهذا ليس في مصلحتنا كشعب.

ما ردكم على مَن يقول إن المغرب يخضع لضغوط غربية لإضفاء مزيد من التحديث على فصول مدونة الأسرة؟

إصلاح مدونة الأحوال الشخصية لم يكن مفروضا من الغرب؛ بل كان استجابة لمطالب المعنيين بالأمر، من مسؤولين وهيئات المدني وأحزاب سياسية.. وهذا عمل بشري يقتضي المراجعة والتعديل وفق ما تمليه الضرورة، في إطار هويتنا وفي إطار ديننا.

وكما قلت سلفا، أثق في جلالة الملك الذي قال إنه لن يحل حراما ولن يحرم حلال.. وأعتقد أن حنكة علمائنا وفقهائنا في إيجاد الحلول لمختلف الإشكاليات المطروحة تعطي الأمل بأن نصل إلى مدونة كفيلة بإصلاح مختلف الأعطاب.

يجب أن تكون الهوية المغربية حاضرة في إصلاح مدونة الأسرة، وليس مطلوبا منا أن نكون مثل فرنسا أو ألمانيا… بل ينبغي أن نحافظ ونتشبث بهويتنا المغربية وبديننا الإسلامي، وأن نتمسك بـ”تمغربيت” دون الانسياق وراء الغرب؛ ولكن بشكل حداثي ومتحضر يضمن العدل والإنصاف لجميع أفراد الأسرة، لأن هناك بعض الآراء الفقهية أصبحت متجاوزة ولا بد من الاجتهاد لإيجاد حلول ملائمة لعصرنا وواقعنا.