Morocco
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

"تسقيف الدولة الاجتماعية".. هذه تأثيرات إيجابية وجانبية لتفعيل السجل الموحد

خلصت ورقة بحثية حديثة الإصدار إلى أن “السجل الاجتماعي الموحد يتيح فعلاً فرصة لتعزيز كفاءة المنظومة، التي تستهدف الفئات الأكثر هشاشة بما يحقق متطلبات الاستحقاق والإنصاف”، قبل أن تنبه مستدركة “إلا أنه قد يؤثر سلباً على بعض الفئات الأقل هشاشة، مما قد يحد من الطابع الإدماجي للبرامج الاجتماعية ويكرس المزيد من الإقصاء”.

وأشارت الورقة، التي ألّفها الباحث في القانون العام والعلوم السياسية عبد الرفيع زعنون ونشرها المعهد المغربي لتحليل السياسات تحت عنوان “تسقيف الدولة الاجتماعية”، إلى شروع المغرب في “تفعيل السجل الاجتماعي الموحد كـآلية لإعداد بنك معطيات مركزي، يحتوي على بيانات رسمية مُحَينَّة حول مؤشرات الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للأسر، والتي يتم في ضوئها تطوير “منظومة الاستهداف” بناءً على معايير موضوعية تمكن من تحديد قوائم المستفيدين من مختلف البرامج الاجتماعية التي توفرها الحكومة”.

فرضية النقاش

وتناقش هذه الورقة، التي اطلعت عليها هسبريس، “التأثيرات الاجتماعية لهذا السجل في ضوء النصوص المرجعية والسياقات التدبيرية”، منطلِقة من “فرضية تزعم بكون الاستحقاقات التي ستترتب عن إقامة المنظومة الجديدة للاستهداف الاجتماعي ستُمكِّن من إدماج أكثر الفئات هشاشة وستعزز استفادتها من الدعم العمومي، لكن بالمقابل يُحتمل وقوع بعض المخاطر التي تهم إقصاء الطبقة الوسطى الهشة من شبكات الأمان الاجتماعي، وبـ”تسقيف” نموذج الدولة الاجتماعية ضمن إطار محدود إذا لم تُتخذ الإجراءات الضرورية لمواجهة إكراهات هيكلية قد تحدّ تحقيق الرهانات الكبرى لهذا الورش”.

ومن أجل “تتبع التأثيرات المتوقعة لتفعيل هذا الورش المهيكِل”، اعتمد زعنون على “النصوص والتقارير المؤسِّسة والمواكِبة لتصحيح وتطوير منظومة الاستهداف”، وكذا “الإرهاصات الأولية التي تبدّت مع الشروع في مرحلة التجريب”، قبل الاستئناس بـ”مآلات التجارب الدولية السبّاقة إلى اعتماد السجل الموحد في تصميم وقيادة البرامج الاجتماعية”.

“عقلنة تدبير البرامج الاجتماعية”

وبعدما رصد الباحث “محدودية البرامج الاجتماعية بالمغرب في ظل ضعف “منظومة الاستهداف”، مميِّزا بين ثلاثة أنماط كبرى من الاستهداف (جغرافي، أُسَري وفئوي)، أكد أن السجل الاجتماعي الموحد” (RSU) تدبيرٌ جديد لسياسات الدعم الاجتماعي بالمغرب”، قبل أن يتسائل “هل سيعزز فعاليةَ البرامج الاجتماعية؟”

محاولا الإجابة، يسترسل زعنون موضحا أن “السجل الاجتماعي الموحد يُبشِّر بإحداث تغييرات جوهرية في منهجية تحديد المستهدفين من البرامج الاجتماعية، بالانطلاق من بنك معطيات مركزي يكفل تجميع ومعالجة البيانات والمؤشرات ذات الصلة بالوضعية الفعلية للأشخاص في وضعية هشة، بما يمكن من توخي أقصى درجات الدقة والإنصاف في حصر القوائم النهائية لمستحقي الدعم العمومي، ومن تحقيق التكامل بين مختلف المتدخلين في مجالات المساعدة والحماية مقارنة بالمراحل السابقة التي انطبَعت بتعدد البرامج دون طائل، في ظل الإشكالات التي اعترت المقاربات المعتمدة في الاستهداف والتدبير والتتبع”.

ويُرتقب، حسب الباحث ذاته، أن “تُسهِم الإصلاحات الرامية إلى تفعيل السجل الاجتماعي الموحد في عقلنة تدبير البرامج الاجتماعية، سواء تلك المتصلة بالمساعدة أو بالحماية، بشكل قد يوسّع مدى وحجم الاستفادة ويكرس الأحقية في استهداف الفئات المستفيدة”، خالصاً إلى “إدماج مختلف المواطنين في وضعية صعبة في شبكات البرامج الاجتماعية بشرط إتمام تطوير مساطر الاستفادة وآليات تقديم الدعم العمومي وتتبعه وتقييمه”.

“تأثيرات جانبية”؟

بالمقابل، رجَّحَتِ الورقة أن تترتب عن تفعيل هذا الورش “تأثيرات جانبية تُنتج وضعيات تمييزية وتكرس بعض حالات الإقصاء في حق فئات عريضة نتاج عدم حصولها على العتبة المطلوبة أو بسبب ضعف مواكبة وتحيين منظومة الاستهداف، إضافة إلى احتمال توظيف الحزمة الجديدة لبرامج الدعم والحماية لحصر السياسات الاجتماعية ضمن تدابير مرحلية ضيقة”.

كما أن “إكراهات التمويل قد تُستغل مُسَوّغاً لتبرير رفع يد الدولة عن المسألة الاجتماعية وتكريس منظور “اقتصادَوي” قد يتعاكس مع الدينامية المطلوبة للتعاطي مع التعقيدات التي تطبع السياسات العمومية الاجتماعية”، يقدّر الباحث ذاته.

اقتراحات وتوصيات

في ضوء هذه المآلات المحتملة يتعين تبني مقاربة استباقية للتعامل مع المخاطر التي قد تُحرف السجل الاجتماعي الموحد عن مساره الحقيقي من ضمانة لتعزيز فعالية السياسات الاجتماعية إلى آلية لتكريس الإقصاء في حق بعض الفئات الاجتماعية، يضيف كاتب الورقة.

وتبعاً لذلك يقترح “مراجعة المقتضيات التشريعية والتنظيمية لضمان فعالية منظومة الاستهداف، بما يجعل السلطات العمومية مُلزمَةً بالإعمال الفعلي للسجل الاجتماعي الموحد في تصميم السياسات الاجتماعية وتتبعها وتقييمها”، مع “التحيين التلقائي والمنتظم لقواعد المعطيات السوسيواقتصادية حتى تعكس حقيقة الوضع الاجتماعي وتلبي أكثر متطلبات الإنصاف والاستحقاق”.

كما أوصى بـ”تقوية الأدوات التدبيرية والمالية لتدخل الوكالة الوطنية للسجلات لجعلها قادرة على التحقق من المعطيات المضمنة بالسجل الوطني الاجتماعي الموحد، مع تيسير المساطر المتعلقة بإعادة النظر في التنقيط بما يضمن مصداقية وكفاءة منظومة الاستهداف”، مشددا على ضرورة “تأطير المعادلات الحسابية المتعلقة بتنقيط الأسر بضمانات جدية، تفاديا لاستخدامها كوسيلة لتضييق قاعدة المستفيدين من البرامج الاجتماعية، من خلال المراجعة المنتظمة للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، مع تنويع الصيغ الحسابية للتنقيط حسب التفاوتات المجالية”.

ويرى زعنون أن “توحيد الجهود الرامية إلى إرساء نظام شامل لشبكات الأمان الاجتماعي، عبر خلق بنية قيادية للتنسيق بين مختلف آليات قيادة الحزمة الجديدة للبرامج الاجتماعية، سيَضمن استفادة المستحقين من الدعم الذي تقدمه الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية”، خاتما ورقته بضرورة تهيئة الظروف المثلى للانتقال من التطبيقات السابقة إلى البرامج الاجتماعية الجديدة لتجنب الإقصاء في حق الفئات التي تستحق دعم الدولة، كما حصل عند الانتقال من نظام “راميد” إلى نظام “أمو تضامن”، مع إحداث لجان للمساءلة الاجتماعية لـ”ضمان فرز واضح بين النسقَيْن المساهماتي والتضامني لمنظومة الحماية الاجتماعية”.

“من شأن الإجراءات المقترحة أن تُمكّن من الرفع من الأثر الإيجابي للسجل الاجتماعي الموحد في تحقيق تكامل واندماج السياسات الاجتماعية، مع الحفاظ على التعزيز الفعّال للعدالة الاجتماعية والمساواة في توفير الدعم والحماية للأفراد في وضعية اجتماعية صعبة”، يختم الباحث.