Saudi Arabia
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

لا تتابع الأخبار.. كيف تتعامل مع هستيريا انتقالات كرة القدم؟

في يونيو 2017، كانت إنجلترا تحتفل بحقبة غير مسبوقة على مستوى منتخبات الشباب؛ أبطال العالم تحت 20 سنة، وأبطال تولون في فرنسا، وأصحاب المركز الثاني في بطولة أوروبا تحت 17 سنة، والوصول لنصف نهائي يورو تحت 21 سنة. لم تعد منتخبات إنجلترا الشابة بمستقبل مشرق مثل تلك اللحظة قط.

على الجانب الآخر، كان هناك جوناثان ويلسون، الصحفي والباحث البريطاني الصارم، كان كعادته يتأمل الجانب الآخر من القصة، الجانب الذي لم يره أحد في هذه اللحظة أثناء الاحتفال بانتصار برنامج "إنجلاند دي إن إيه (England DNA)" وآثاره التي بدت واضحة على قطاعات الناشئين في البلاد. ويلسون كان يسأل: هل سيهتم أحد فعلا لو عاد هؤلاء الشباب إلى أنديتهم؟(1)

النصف الخالي من الكوب

كما اتضح لاحقا، كان ويلسون محقا. الآن تبدو الاتهامات له بالتشاؤم والسوداوية مضحكة للغاية. الأمر نسبي كما ترى، وفقط الزمن كان سيثبت إن كان ويلسون يبحث عن التميز بالتجديف عكس التيار، أم أن التيار هو ما كان يسير عكس المنطق.

لم يكن الثنائي "توموري مع ميلان وأبراهام مع روما" ليحصل على فرصة في إيطاليا لولا موسم استثنائي قضاه تشيلسي محروما من إبرام الصفقات ومضطرا للاعتماد على أكاديميته.

ويلسون كان يستقرئ المشهد ببساطة، فمن ضمن 11 لاعبا كانوا في التشكيلة الأساسية التي بدأت مباراة نهائي كأس العالم تحت 20 سنة ضد فنزويلا حينها، كان 4 فقط قد حصلوا على فرصة اللعب في البريميرليغ. هذه التشكيلة كاملة لم تحصل إلا على 13 بداية في مباريات الدوري، منها 9 لثلاثة لاعبين كلهم يلعبون لإيفرتون: أديمولا لوكمان، وجونجو كيني، والمهاجم دومينيك كالفرت لوين الذي سجل هدف النهائي الوحيد.

الأمر غريب إن فكرت فيه، ما يعتقده ويلسون أن هؤلاء اللاعبين ذهبوا لتمثيل منتخبات الشباب لا بسبب جودتهم فقط -أغلبهم جيدون فعلا- ولكن لأن أنديتهم لم تكن بحاجة إليهم ابتداء.

في تشيلسي مثلا، كان جيل تحت 21 سنة يضم كلّا من فيكايو توموري وتامي أبراهام ولويس بيكر وناثانيال شالوبا وجاك كلارك-سالتر ودومينيك سولانكي، فقط اثنان من كل هؤلاء ما زالوا ينشطون في واحد من دوريات أوروبا الكبرى. لا أحد يعلم أين ذهب الباقون، وحتى الثنائي المقصود -توموري مع ميلان وأبراهام مع روما- لم يكن ليحصل على فرصة في إيطاليا لولا موسم استثنائي قضاه تشيلسي محروما من إبرام الصفقات ومضطرا للاعتماد على أكاديميته(2)(3).

الحديث المستمر عن الجودة التي تفرض نفسها ليس دقيقا كذلك، أبراهام وتوموري لم يحظيا بفرصة ضخمة لإثبات أنفسهما قبل انتقالهما لإيطاليا. حجم العينة كان ضئيلا نسبيا، وكان من السهل أن يؤخذ عن كل منهم انطباع خاطئ لو لم يكن التوفيق بصفهم في هذه الفترة.

Wins a first league title with AC Milan.

Back in the latest England squad.

Fikayo Tomori is having a week to remember 🍾 pic.twitter.com/9GjgmFuvaA

— GOAL (@goal) May 24, 2022

ناثانيال شالوبا وجد نفسه يستعد للخروج في إعارة سابعة متتالية، بينما يتأهب تشيلسي للتعاقد مع تيمويه باكايوكو من موناكو. الأخير يفوقه عمرا بخمسة شهور فقط، ولكنه يتفوق بحقيقة أنه لعب 49 مباراة في موسم موناكو الأسطوري 2016-2017. 49 مباراة كان بإمكان شالوبا أن يلعبها لو كان له مكان فعلا في الفريق الأول.

المشكلة ليست في تشيلسي وحسب، ولا في المديرين الفنيين وحدهم، ولا في الرؤساء المستعدين لإقالة الجميع لو انتهى الموسم بأي نتيجة غير السداسية، ولكن الحقيقة أن الجميع يحب صفقات الانتقالات، مدفوعين بالطابع الاستهلاكي المتوحش الذي يسيطر على العالم الآن، اللاعبون يحبون الانتقالات لأنها فرصة لزيادة رواتبهم وربما الحصول على نسبة من ثمن الصفقة، والمدربون يحبون الانتقالات لأنه دائما هناك هذا اللاعب الذي ينقصهم ويستطيع قلب أحوال الفريق ونتائجه، والمديرون الرياضيون يحبون الانتقالات لأنها تبرر وجودهم وتمنحهم فرصة للظهور واللمعان رفقة الصفقات الجديدة، والجماهير تحب الانتقالات لأن اللعبة الجديدة دائما ما ستكون أفضل من القديمة، ونحن نحب الانتقالات لأنها تمنحنا أسبابا للكتابة وإثارة انتباهك، الجميع يبدو فائزا في هذه المعادلة، ولكن بطريقة ما، تخسر كرة القدم.

أونلاين.. أوفلاين

هذا جانب واحد فقط من القصة، ولكنه يمنحنا خيطا لجانب آخر مختلف تماما؛ الجماهير تحب الانتقالات لأن اللعبة الجديدة دائما ما ستكون أفضل من القديمة، ولكن هذه المتوالية خطيرة للغاية، لأنها قد تستمر إلى الأبد.

الجانب الآخر متعلق بسلامك النفسي وصحتك الذهنية؛ التصفح المستمر لأخبار الانتقالات في انتظار الصفقة المثالية التي ستمنحك شعورا نهائيا وحاسما بالرضا والاطمئنان للمستقبل، هو تصفح لا ينتهي، لأن الصفقة المثالية التي ستمنحك شعورا نهائيا وحاسما بالرضا والاطمئنان للمستقبل -كما تعلم- لن تأتي أبدا، وحتى لو أتت فستجعلك أكثر قلقا من ألا تفي بوعودها.

Nathaniel Chalobah congratulates his younger brother Trevor on his new contract 😂 pic.twitter.com/8BvRi68oeA

— Uber Chelsea FC ⭐️⭐️ (@UberCheIseaFC) November 4, 2021

الدكتورة بولا دورلافسكي، طبيبة النفس الأميركية وصاحبة كتاب "متصلون ومضغوطون" أو "Logged In & Stressed Out"، قضت حياتها في دراسة الأثر الخفي لهذه العادة، وتعتقد أن إدمان التحديثات والإشعارات المستمرة لا يقل جدية عن باقي أنواع الإدمان المدمرة(4).

"يأتيني الناس طوال الوقت قائلين: نحن نشعر بالملل طوال الوقت، كل ما نفعله هو متابعة هواتفنا في انتظار التحديثات والإشعارات والرسائل النصية، نحن نشعر وكأن حياتنا تُسرق، كلما تابعنا الأخبار والمنشورات على منصات التواصل شعرنا بأن حياتنا شديدة الملل وبلا معنى. هذه الحالات تتزايد بشدة في السنوات الأخيرة"

(طبيبة النفس الأميركية بولا دورلافسكي(5))

طبعا هي مفارقة ساخرة أن يقودك البحث المحموم عن الإثارة إلى قمة الملل، ولكنها تأكيدٌ للحكمة القديمة الجديدة عن انقلاب الشيء إلى ضده إن زاد عن حده. عند لحظة ما، لن يرضيك أي شيء، وستظل تنتظر الصفقة الاستثنائية، واللاعب الذي سيضمن الألقاب، ثم المدرب الذي سيُخرِج أفضل ما عنده، وبعدها ستبحث عن النجم المساند الذي سيساعده على اللمعان، وهكذا بلا توقف.

هذه ليست دعوة للاستسلام طبعا، ولكن الدكتورة دورلافسكي تعتقد أنها تعبير عن أزمة أعمق وأشد، غالبا ما تتمثل في محاولة مستمرة للهروب من الغضب أو القلق أو الحزن أو افتقاد المعنى والهدف عن طريق الانغماس في سيل دائم من الألعاب الجديدة، لتشتيت انتباهك عما تخشى مواجهته.

التشتيت مطلوب في كثير من الأحيان، ومواجهة مشكلاتنا طوال الوقت بحزم وحسم هو أمر غير بشري أصلا، نحن نحتاج إلى باب الهروب الخلفي طوال الوقت، لكن المشكلة تقع عندما تتحول حياتنا برمتها إلى محاولة تشتيت ضخمة، حينها نفقد القدرة على الشعور بالمعنى، ونفقد القدرة على تطوير الأحاسيس الأصيلة تجاه الأحداث والمستجدات، لأن كل حدث جديد يتحول إلى حلقة في سلسلة مستمرة لا تنتهي(6)(7).

الأمر له عيوب لا نلاحظها كذلك، أو ربما نلحظها ونقرر تجاهلها، مثل حقيقة أن هذا الترقب المستمر يستنفد قدرتنا على الاستثارة العاطفية والعصبية قبل وقوع الحدث أصلا، وعندها يتحول الحدث نفسه -التوقيع الفعلي مع اللاعب مثلا- إلى مجرد نتيجة متوقعة منتظرة، والأهم أنها غالبا ما تكون مُحبِطة مقارنة بتخيلاتنا عنها.

الأمر يشبه أفلام مارفل الأخيرة التي تروج لها الشركة العملاقة قبل صدورها بشهور، وتتلذذ بإطلاق خيال المحبين إلى أعلى سقف ممكن، لدرجة تعجز مارفل نفسها عن الإيفاء بها، فينتهي الأمر إلى درجة من الإحباط يبتلعها المشاهدون في صمت، لأنهم استثمروا قدرا كبيرا من المشاعر في الحدث عبر الشهور الماضية، ولا يريدون الاعتراف بأنه لم يكن على قدر التوقعات.

الإثارة المشروعة

هذا لا يعني طبعا أن كل الصفقات متساوية في سوق الانتقالات، ولا يعني أن الإثارة محرمة، ولا ينبغي أن يجعلك تشعر بالخجل من مساندتك لهذا الفريق أو ذاك، ولكنه فقط محاولة لتقنين هذا الهوس، ووضعه في إطاره الطبيعي.

لذا، وعلى عكس المعتاد، فلن نتركك مع تخيلاتنا السوداوية المتشائمة عن العالم، والتي غالبا ما ستكتشف لاحقا، مثلما اكتشف جمهور ويلسون، أنها كانت واقعية، بل سنخبرك بما يمكنك أن تفعله بالضبط لمواجهة هستيريا سوق الانتقالات القادمة، والتي ستكتسح الجميع كالطوفان خلال أسابيع، إن لم تكن قد بدأت بالفعل.

أولا، سنعرّفك على موقع اسمه "فوتبول ترانسفير ليغ (Football Transfer League)"، وهذا الموقع يؤدي وظيفة فريدة من نوعها، ولا يؤدي غيرها، وهي أنه ينشر تحديثات مستمرة لدرجة صدق أخبار الانتقالات في الصحف الإنجليزية المختلفة(8).

الموقع يفعل ما لا يفعله أي منا، وبجرأة يُحسَد عليها، فبينما يحتفل البعض بنهاية سوق انتقالات فريقهم بنتيجة مرضية، ويتباكى البعض إن حدث العكس، ويتأرجح الجميع بين النشوة والرغبة في النسيان، يقضي مسؤولو الموقع وقتهم في مقارنة ما حدث فعليا بما تم نشره من إشاعات وتحديثات في صحف ومواقع أوروبا، ثم يقدمون إحصائيات بسيطة تتضمن عدد الأخبار المنشورة عموما، وعدد الصادق منها، ويمنح الموقع أو الصحيفة نسبة مئوية للمصداقية، إن جاز التعبير.

بمطالعة صفحة الموقع الرئيسية، تكتشف أن النتائج الأولية ليست مفاجئة، إذ تتصدر "ذا غارديان (The Guardian)" قائمة الصحف الأكثر دقة بنسبة تقترب من 40% من أخبار الانتقالات المنشورة، وتتذيل "ذا مترو (The Metro)" القائمة ذاتها بنسبة 16% تقريبا.

إن كان هذا يدفعك للتساؤل عما يدفع ذا مترو لنشر أخبار كاذبة طيلة هذه السنوات، فالموقع ذاته يمنحك إجابة واضحة جلية إذا نظرت لتقييم القراء والمستخدمين، إذ يضع ذا مترو في التصنيف الأول بثلاثة نجوم، أي التقييم ذاته الذي حصل عليه ذا غارديان.

هذا يغير كل شيء، أولا لأنه يثبت أن سياسة ذا مترو -إن جاز اعتبارها سياسة- ناجحة تماما، وثانيا لأنه يجعل السؤال المنطقي هنا هو العكس: ما الذي يدفع ذا غارديان لتحري الصدق أصلا؟ طبعا الإجابة معروفة، ولكننا لم نستطع مقاومة المفارقة الساخرة.

هذه هي المرحلة الأولى من تنقية النتائج، المرحلة التالية لا تمتلك القدرة ذاتها على الحسم، لأنها لا تعتمد على إحصائيات المصداقية، بل هي أقرب للحدس، وهذا الحدس تقوده عدة نصائح يمكن تلخيصها على طريقة "افعل ولا تفعل" الشهيرة(9):

لا تصدق

  1. إن لم يكن هناك مصدر مذكور في الخبر.
  2.  لو كانت الصفقة تتضمن لاعبا + مبلغا ماليا. إبراهيموفيتش وكريسبو هما الاستثناء وليسا القاعدة.
  3. إذا كان الخبر يتضمن مصطلحات مثل "صناديق الحرب"، خاصة لو كان الخبر عن أرسنال.
  4. الأخبار التي تربط لاعبا بنادٍ آخر أثناء محاولات تجديد عقده، ليس لأن رحيله ليس محتملا، بل لأن معرفة وجهته في هذه المرحلة المبكرة شبه مستحيل.
  5. الأخبار التي تتحدث عن "ظهور اللاعب في مطار مدينة كذا". كل اللاعبين يظهرون في مطارات مختلفة أثناء فترة الانتقالات لأنها فترة إجازتهم كذلك.

صدّق

  1. عبارات مثل "بي بي سي تفهم أن…". الإذاعة البريطانية قد تكون أقوى مصدر لأخبار الانتقالات على الإطلاق.
  2. عندما يكون الخبر منسوبا إلى رئيس تحرير الصحيفة أو الموقع، لأنه لن يغامر بسمعته غالبا.
  3. عندما يصمم أحد مسؤولي النادي على أنهم "لن يبيعوا اللاعب". هذا ليس مؤشرا حاسما على رحيل اللاعب، ولكنه دليل كافٍ على أن الاحتمالية قائمة.

مع الوقت، سيقودك كل ما سبق لتكوين مكتبتك الخاصة من المصادر القوية التي يمكن الاعتماد عليها، وإن لم يكن هذا كافيا أو مرضيا، فيمكنك دائما العودة في الزمن 20 عاما إلى الوراء، عندما كنا نُفاجأ بانضمام هذا اللاعب أو ذاك بعد إتمامه، ثم نقضي الساعات في التحليل والتوقع، قبل أن تحرمنا منصات التواصل من هذه المتعة.

_______________________________________________________________________

المصادر:

  1. هستريا سوق الانتقالات تمنحنا الإثارة ولكنها لا تفيد كرة القدم – The Guardian
  2. سكاوت..عن الثقب الأسود في أكاديمية تشيلسي! – الجزيرة
  3. أنا لاعب ناشىء في أحد أندية البريميرليغ..وهذه هي قصتي – الجزيرة
  4. دكتور بولا دورلافسكي – Psychology Today
  5. التصفح والملل؛ تركيبة معقدة – Psychology Today
  6. 6 طرق تؤثر بها منصات التواصل الإجتماعي على صحتنا العقلية – Forbes
  7. منصات التواصل والصحة العقلية – Help Guide
  8. موقع Football Transfer League
  9. الدليل للتعامل مع هستريا أخبار سوق الانتقالات – Balls