العبيد أحمد مروح

لا أذكر أني التقيت وجهاً لوجه وجلست مع الأخ الكريم أحمد الصالح صلوحة، برغم أن هذا كان متاحاً، لكني لقيته في مناسبات محدودة لقاءات عابرة.

كنت خريجاً حديث العهد، حينما التحقت بالعمل الصحفي في صحيفة “الراية” أواخر العام ١٩٨٥، وكانت البلاد تتهيأ للإنتخابات العامة التي جرت في أبريل من العام التالي (١٩٨٦)، وكان أحمد الصالح أحد مرشحي الجبهة الإسلامية القومية عن دائرة المجلد، ثم نائباً عن الدائرة في الجمعية التأسيسية “البرلمان” الذى تشكل على ضوء نتائجها، وكنّا نحن صحفيي “الراية” الناطقة باسم الجبهة الإسلامية القومية، حتى ممَن ليسوا مكلفين بتغطية أعمال الجمعية التأسيسية، موصولين بنواب الحزب في البرلمان، نذهب أحياناً لنحضر بعض الجلسات، خاصة عندما نعرف أن رئيس الوزراء أو زعيم المعارضة أو أحد المتحدثين المفوهين أمثال الأستاذ مهدي إبراهيم أو الشريف زين العابدين سيتداخلون في اليوم المحدد .. وكان بعض نواب الجبهة أيضاً يأتوننا إلى مقر الصحيفة، ويطرحوا قضايا دوائرهم.

وقد أتاح لي ذلك أن أعرف عن الأخ صلوحة، قدراً جيداً من الصفات والمواقف، داخل قبة البرلمان وخارجها، ثمّ تتبعت مسيرته عقب مجئ والإنقاذ وإلى يوم الناس هذا، وخلاصة ذلك هي أن أحمد الصالح صلوحة رجل “فارس وشهم وأخو أخوان وود قبايل” ولعمري إن مَن تنطبق عليه هذه الصفات فقد حاز المجد.

ولهذا لم أستغرب موقفه الأخير الذي جهر فيه بضرورة تنادي قيادات المجتمع الأهلي في كردفان و دارفور أن هلموا إلى دعوة أبنائكم ممن انتموا إلى صفوف “الدعم السريع” وانخرطوا في الحرب التدميرية التي يتعرض لها السودان، بعد أن غُرر بهم.

هذه الحرب – كما ذكر الأخ صلوحة – حرب تستهدف السودان كوطن وكشعب ، وهي في جوهرها ليست حرب تلك القبائل الرعوية من كردفان ودارفور، ولا حرب “هامش” ضد وسط، وليس هناك مِن عاقل يحارب جيش بلاده ويهدم بيته فوق رأسه، فما ارتكبته المتمردون والمليشيات التي ساندتهم – من باب “الفزع” – في حق سكان الخرطوم وأهلنا في دارفور نفسها، أمر يندى له الجبين وسيبقى عاراً لا يلاحقهم فحسب وإنما يلاحق القبائل التي ينتمون إليها، ما لم ينهض عقلاؤها ليغسلوا عنها هذا العار قبل فوات الأوان !!

نحتاج في هذه المرحلة من تاريخ السودان إلى فرسان وعقلاء مثل الأخ أحمد الصالح صلوحة وبقية رموز المجتمع الأهلي الذين ساندوا دعوته، ونحتاج إلى أن لا تكون الدعوة والتنادي حصراً على زعماء القبائل التي انخرط أبناؤها في قتال القوات المسلحة، بل أن تشمل – بعد وقف الحرب – كل جهات السودان وكل قبائله، لا فرق في ذلك بين الرعاة والمزارعين ولا بين مَن يقال عنهم أنهم من أصول عربية أو أصول أفريقية، حتى نعيد التأسيس لوطن آمن ومستقر يسع جميع أبنائه في إخاء وتسامح.

ونختم في يوم الجمعة هذا بالدعاء للأخ صلوحة، مهتدين بما جاء في “سورة محمد” .. فبمثل ما دعوت وسعيت بالنصيحة وإصلاح ذات البين، نسأل الله أن “يهديك ويصلح بالك” وكل مَن دعم وعزز مسعاك أو سعى بمثله بين أهله.

السفير العبيد أحمد مروح