Iraq
This article was added by the user . TheWorldNews is not responsible for the content of the platform.

نشطاء تشرين المهجّرون بين الرغبة في العودة والخوف من تصفية الميليشيات

“دخلت في صدامات عديدة مع أذرع الميليشيات في ساحة التحرير وتعرضت إلى حملات تسقيط وتخوين في وسائل التواصل الاجتماعي بواسطة جيوش الميليشيات والأحزاب الإلكترونية، وبلغت المشادات حد اتهامي بمحاولة اغتيال السيستاني، كان يعني هذا هدراً لدمي، وبالتالي وجب علي الرحيل”.

وقع حسين محمود في “المحظور الأكبر” حين طالب في أوائل 2020 عبر وسائل التواصل الاجتماعي بوقفة احتجاجية ضد الحكومة العراقية أمام منزل المرجع الديني علي السيستاني في النجف، بهدف دعم مطالب عشرات آلاف الشباب المحتجين ضد الطبقة السياسية.

كان ذلك كفيلاً ليحوّله المتربصون به من مجرد متظاهر يطالب بإصلاحات إلى “إرهابي يحاول اغتيال” أعلى مراجع الطائفة الشيعية والرجل الاكثر تأثيرا في البلاد، بحسب ما ورد في حملة استهداف جرى الترويج لها عبر قنوات فضائية محلية وفي وسائل التواصل الاجتماعي.

يتهم محمود نواباً من أحزاب شيعية متحالفة ومسيطرة على الحكومة بالوقوف وراءها: “هم لايتورعون عن اتهامك بأي شيء يخطر في بالهم إذا ما استشعروا بخطورتك على مصالحهم”. لاحقا اضطر حسين مع عشرات الناشطين الآخرين إلى الفرار نحو مدينة السليمانية في اقليم كردستان حين اشتدت حملات استهدافهم.

حوّل محمود مع بدء الاحتجاجات نهاية 2019 مطعماً للأكلات الشعبية يملكه قرب ساحة التحرير في قلب العاصمة بغداد، إلى مطبخ يمد المحتجين بالطعام والشراب الى جانب مستلزمات الحماية من قنابل الدخان المسيلة للدموع التي كانت أجهزة الأمن تلقيها عليهم.

ثم انتقل إلى الإسهام المباشر في الاحتجاجات، فهو ينسب إلى نفسه تأسيس تجمع “معتصمو ساحة التحرير” ويقول بأن 200 خيمة احتجاج ضمت أعضاءه في الساحة. وزار ساحات الاحتجاج في المحافظات الأخرى كساحة الحبوبي في مدينة الناصرية واجتمع بقادة تنسيقياتها لتوحيد الخطاب.

قرار الرحيل أو الموت

“قرار الرحيل باعتباره الخيار الوحيد أمام عمليات القتل والخطف، لم يؤثر سلباً على حركة الاحتجاجات وحسب، بل قلب مسار حياة هؤلاء وعوائلهم” يعلق سركوت علي، وهو شاب من السليمانية كان على احتكاك مع بعض الناشطين الفارين بحكم عمله في احدى المنظمات المدنية.

يقول علي، إن آمال النشطاء تحطمت سريعاً أمام الواقع الذي ظهر أمامهم “الغربة، وفقدان مصدر الدخل، وفشل الحركة الاحتجاجية”. ويضيف “كانوا يأملون ان تكون رحلتهم قصيرة لكن من الواضح انها ستمتد لسنوات وستكون قاسية ومريرة على كثيرين منهم”.

ينبّه علي الى ان فشل بعض الحركات التشرينية في تشكيل تكتلات او أحزاب سياسية ذات بنية قوية ومتماسكة، والانقسامات التي ضربت بعض القوى التي تشكلت، وفشل نشطاء الحراك في توحيد جهودهم سواء بالبرلمان او خارجه “بدد آمال الكثير من النشطاء بنهاية سعيدة لتضحياتهم”.

هنا يلفت الصحفي منتظر بخيت، الى ان نزوح الناشطين من محافظاتهم، أدى الى تذويب الحركات السياسية المنبثقة من داخل ساحات الاحتجاج التي كان من الممكن ان يشهدها العراق.

ويرى ان معظم النشطاء الشباب كانت لهم طموحات سياسية وان “نزوح قادة الاحتجاج وكاتبي بياناتها بعيدا عن بيئة الاحتجاج الحاضنة كان بمثابة تدمير لهذه الطموحات، وتحويل مسار المطالب من تغيير شامل الى محاسبة قتلة المتظاهرين، ما أثّر بشكل كبير على تحقيق الأهداف الرئيسية لتشرين”.

ويرى مهدي المهنا (ناشطٌ من مدينة النجف) يقيم في محافظة أربيل، أن هنالك مخاطر كبيرة تكتنف عودته إلى مدينته التي فر منها مرغماً ولا جدوى أيضاً من الهجرة، شدد على العبارة الأخيرة مؤكداً أن الهجرة تعني الانقطاع عن عالمك والتخلي عن كل شيء.

ويؤيد المهنا الرأي القائل بأن “خروج الناشطين من محافظاتهم ساهم في تذويب الحركة الاحتجاجية وبقائها بأيدي غير رصينة ما أدى الى أفولها” لكن لم يكن أمامهم من خيار في ظل عجز الحكومة واستسلامها للمليشيات.

المهنا كان يُعِدُ في ساعة متأخرة من الليل قصيدة لقراءتها في حفل استذكار مجزرة النجف التي عرفت بمجزرة ساحة الصدرين التي وقعت في 5 شباط 2020 باستهداف مسلحين تابعين للتيار الصدري يعرفون بـ (أصحاب القبعات الزرق) لمئات المتظاهرين وقتلوا 23 منهم وأصابوا 182 بجراح، لحظة فوجئ بمجهولين يهاجمون منزله بقنابل المولوتوف: “ربما فعلوا ذلك لمنعي من المشاركة في الحفل أو بسبب عملي منسقاً لإحدى المنظمات الدولية في النجف قبل اندلاع احتجاجات تشرين 2019 أو لآرائي السياسية المعارضة للطبقة السياسية في العراق”.

أسباب عديدة يجدها كافية لاستهدافه، فضلاً عن قيامه بعد فترة من احتجاجات تشرين، بتأسيس جماعة “اللاعنف وكوخ الثورة” التي تبنت اصدار اغلب البيانات التي تُليت في ساحة احتجاج النجف. كما كان مشرفاً على منصة الكترونية يتابعها أكثر من 30 الف شخص تنقل اخبار ساحات الاحتجاج كافة من خلال خلق شبكة من الصحفيين توزعوا على العديد من المحافظات.

أحس مهدي بأن التهديدات بتصفيته باتت جدية فغادر إلى مدينة الكوت، لكنه لم يمكث هناك طويلاً إذ لاحقته التهديدات هناك فلجأ إلى العاصمة بغداد وبعدها بأيام انتقل إلى أربيل بمساعدة من إحدى منظمات حماية المدافعين عن حقوق الإنسان والتي تكفلت بمعيشته في أربيل لبعض الوقت قبل أن يحصل على فرصة عمل في منظمة أخرى ويستقر في المدينة.

“عناصر الأمن لم تحمنا”

من السليمانية يقول صائب فالح الناشط القادم من ميسان، إن العودة إلى هناك بالنسبة للكثيرين ما تزال مستحيلة بسبب ما قد يتعرضون له، فأن تكون محتجّاً على السلطة او حتى معارضاً سياسياً قد يعني فقدانك لحياتك في العراق.

هو يعد نفسه من المحتجين الأوائل ضد سياسات الحكومات المتعاقبة، فقد أسس سنة 2011 منظمة تعنى بمراقبة حقوق الانسان ودعم الديمقراطية بمعية مجموعة من اصدقائه أطلقوا عليها أسم “تبني”.

تركّز نشاط المنظمة على بناء قدرات الشباب في محافظة ميسان ورصد وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان هناك. يقول فالح إنه بسبب ذلك النشاط “كانت المنظمة تتلقى تهديدات بين حين وآخر، الا أن اعضاءها أصروا على الاستمرار”.

في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 أصيب صائب بطلق ناري في يده اثناء تصويره تعرض المتظاهرين للرصاص الحي في ساحة الاحتجاج بمحافظة ميسان. يقول بشيء من الزهو “ذلك لم يثنني عن الاستمرار في نشاطي الذي واصلته في الأيام التالية”.

لكن “تبني” واجهت بعد ذلك حملات تسقيط وتخوين عبر وسائل التواصل الإجتماعي، قادها، بحسب صائب، “مؤيدون للأحزاب الفاسدة”. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تعرض مجيد الزبيدي وهو أحد مؤسسي “تبني” في 30 تشرين الاول/أكتوبر إلى محاولة اغتيال عند عودته إلى منزله من ساحة الاحتجاج، فقد اخترق طلق ناري بطنه.

يقول صائب، وابتسامة ساخرة على وجهه: “بعدها أقرّ عناصر في الأجهزة الأمنية انها غير قادرة على حماية افراد المجموعة وأن حياتنا أصبحت في خطر حقيقي”.

يعلق (ع. أ) وهو مصور صحفي وثق العديد من قصص الناشطين الفارين من فرق الموت والذين وجدوا في مدن اقليم كردستان ملاذاً: “تتشابه قصصهم، تهديدات ومحاولات خطف واغتيال، بهدف ترويعهم واسكاتهم للأبد او إجبارهم على الخروج لتفريغ ساحات الاحتجاج من وقودها”. ويتابع: “رغم كل شيء مازال معظمهم يفاخر بما قاموا به، فقد نجحوا في زلزلة الطبقة السياسية وإسقاط حكومة عادل عبد المهدي، وان جاء ذلك بعد تضحيات هائلة بسقوط مئات من رفاقهم بين قتيل وجريح الى جانب تشريدهم فباتوا تائهين في مدن غريبة بلا عمل ولا أمل بتغيير حاسم قريب”.

بينما يتحسر عشرات النشطاء الشباب على مآلات “انتفاضتهم” ويتحدثون بألم عن أزمات حركة “امتداد” وعن الخلافات التي تضرب حزب “البيت الوطني” وهو احد اكبر الاحزاب التشرينية التي لم تشارك في الانتخابات، مازال الناشط الشاب (ع.ت) يبدي شيئا من التفاؤل. ويرى ان اليأس الذي يشعر به بعض النشطاء لن يمنع من بدء موجات احتجاج جديدة يشارك فيها نشطاء الداخل كما الخارج الذين يشدهم الحنين الى مدنهم والى ساحات الاحتجاج فيها “مدفوعين بأمل بناء وطن وخلق مسار جديد للعملية السياسية”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط